Site icon IMLebanon

13 عاماً… “راوح مكانك”

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

لم يكن شباط 2005 شهراً عادياً، بل إن الرابع عشر منه هو التاريخ الذي بدّل مسار أحداث لبنان والمنطقة، فشكّل إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري نقطة تحوّل كبيرة.

كان العام 2005 عاصفاً على لبنان، ونتج منه إنسحاب الجيش السوري وقلب الموازين الداخلية والخارجية، ونجحت قوى “14 آذار” بحصد الغالبيّة البرلمانيّة وتشكيل حكومة أكثريّة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، والأهم من هذا كله الدعم الدولي لهذه القوى التي طرحت عناوين عدّة أبرزها ضرورة أن يكون للبنان استراتيجيّة دفاعيّة.

لم يكن “حزب الله” في تلك الفترة في أحسن أحواله، بل كان مطوّقاً، فالنظام السوري، حليفه وداعمه، في عُزلة دولية، والتوازنات الداخلية لا تصبّ في مصلحته، والهجمة الدولية عليه نتيجة صدور القرار 1559 يرتفع منسوبها، في حين أن الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة تريد نزع سلاحه، بينما الداخل يطالب بتطبيق مثلّث الحرية والسيادة والإستقلال والذي لا يكتمل بلا حصر السلاح بيد الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الشرعيّة.

وأمام هذه الوقائع السياسيّة، كان التحقيق الدولي في جريمة إغتيال الرئيس الحريري ورفاقه يطغى بظلاله على الساحة اللبنانية وحتى الإقليميّة، ويزيد الخناق على “محور الممانعة”.

وأمام زيادة الإحتقان ومطالبة قوى “14 آذار” بإسقاط الرئيس الممدّدة ولايته إميل لحّود والتهديد باستعمال الشارع لتحقيق هذا المطلب، إرتأى رئيس مجلس النواب نبيه برّي أن يمتصّ الغضب ويدعو إلى طاولة حوار وطني تضمّ جميع القوى السياسيّة.

إنطلقت جلسات الحوار في آذار 2006 في مقرّ مجلس النواب لبحث جدول أعمال يتضمن مواضيع “كشف الحقيقة حول اغتيال الحريري والعلاقة مع سوريا وترسيم الحدود معها وسلاح حزب الله”.

واستندت مواد الحوار إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 يدعو إلى سحب سلاح القوى اللبنانية وغير اللبنانية غير الشرعية في إشارة إلى “حزب الله” والتنظيمات الفلسطينية الموالية لسوريا في لبنان، بالإضافة إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد.

عقدت سبع جلسات حوار تحت رعاية بري تم خلالها التوافق على ميثاق شرف لتخفيف الإحتقان السياسي وعلى نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات خلال ستة أشهر، فيما أخفق الفرقاء بالتوافق على انتخاب رئيس جديد يحظى بالتوافق وأجلوا البحث في الإستراتيجية الدفاعية.

وفي أوائل تموز من العام 2006، وبينما كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله يشارك شخصياً في جلسات الحوار، طُلب منه عدم القيام بخطوة عسكريّة لأن لبنان بأمس الحاجة إلى فسحة الصيف لكي يحسّن وضعه الإقتصادي الذي كان يعاني من الشلل بعد زلزال إغتيال الحريري، لكن ورغم ذلك أقدم “حزب الله” في 12 تموز على خطف الجنديين الإسرائيليين، فاندلعت حرب تموز المدمّرة.

وفي آخر جلسة عقدت تحت رعاية بري في تشرين الثاني 2006 كان الإنقسام قد تعمّق في البلد بعد حرب “تموز”، فأخفق أطراف الحوار في التوافق على ملف المحكمة الدولية وتشكيل حكومة وحدة وطنية يكون للفريق الشيعي وحلفائه الثلث المعطّل فيها، فاتخذ الثنائي الشيعي قراراً بالخروج من الحكومة فدخلت البلاد في مرحلة اشتباك سياسي لم ينتهِ إلا بعد أحداث 7 أيار 2008، من ثمّ مؤتمر “الدوحة” وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهوريّة في 25 أيار 2008.

وفي حين كان يتوقّع البعض إتفاقاً على الإستراتيجيّة الدفاعيّة في بداية عهد سليمان نظراً إلى الرعاية الإقليمية والدولية لهذا الحوار بعد “الدوحة”، عُقدت أول جلسة حوار برعاية سليمان في 16 أيلول 2008 تلتها ست جلسات أخرى تم خلالها التوافق على ملفي النفط والعلاقة مع سوريا، وكلفت لجنة عسكرية بدراسة موضوع الإستراتيجية الدفاعية، إلى أن انتهى عهد سليمان في 25 أيار 2014 من دون أن يتم الإتفاق على أي استراتيجية دفاعيّة.

إذاً، منذ 13 عاماً، ولم يصل الأطراف إلى أي اتفاق على الإستراتيجيّة الدفاعيّة، لأنه بحسب بعض المشاركين فإن هذه الإستراتيجية تخضع لتوازنات خارجيّة وليست داخليّة، وحتى قرار سلاح “حزب الله” موجود في طهران التي تموّل الحزب وتسلّحه وليس لدى قيادته اللبنانيّة.

وفي النظر إلى المتغيرات التي حصلت منذ انطلاق الحوار الوطني في آذار 2006 إلى يومنا هذا نكتشف الآتي:

أولاً: كان “حزب الله” في وضع أقل خبرة عسكريّة قبل 2006، فقدّ خاض “حرب تمّوز” من ثمّ قاتل في سوريا والعراق واليمن بدرجات متفاوتة، لذلك من الصعب اليوم على إيران التخلّي عن هذه المنظومة العسكريّة التابعة لها.

ثانياً: أصبح “حزب الله” أكثر إلتصاقاً بإيران، خصوصاً أن الحرب السوريّة الأخيرة زادت هذه اللحمة، ومن الصعب التخلّي عن سلاحه بهذه السهولة إن لم تكن إيران موافقة على ذلك، بوصفه فرقة من الحرس الثوري الإيراني.

ثالثاً: في العام 2006 وقبل “حرب تموز”، كان محور “الممانعة” مهزوماً ومطوقاً وكانت قوى “14 آذار” وحلفاؤها الإقليميون في مرحلة الهجوم، ورغم ذلك لم تستطع هذه القوى الوصول إلى أي نتيجة في ما خصّ السلاح غير الشرعي.

رابعاً: تراهن القوى السيادية في لبنان على الموقفين الأميركي والغربي، خصوصاً مع مرحلة العقوبات الأميركية المتجدّدة على طهران، علماً أن مرحلة ما بعد 2005 كانت إدارة الرئيس جورج بوش تحكم، لكنها لم تستطع فعل أي شيء بسلاح “حزب الله”.

خامساً: في أيلول 2004 صدر القرار 1559، ومنذ 15 عاماً، ورغم كل التطورات التي حصلت، لم يستطع المجتمع الدولي تطبيق هذا القرار الذي ينصّ في إحدى فقراته على نزع السلاح غير الشرعي.

سادساً: ينتظر الجميع كيف ستنتهي الحرب السوريّة وكيف سيكون شكل التسوية النهائية في المنطقة وكيف سيتم التعامل مع سلاح “حزب الله”.