كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:
يشكل المؤتمر الحواري الاقتصادي الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا، بعد غد (الاثنين)، محاولة جديدة لتوفير الحلول للأزمة الاقتصادية التي ارتفع منسوب تأزّمها في الآونة الأخيرة، وتأمل مصادر وزارية بأن تؤدي الأفكار التي سيطرحها المشاركون فيه إلى إرساء مجموعة من القواعد تدعو للتفاؤل بأن هذه المحاولة قد تكون الأخيرة ولا بد من الإفادة منها، وألا تنضم إلى سابقاتها من المحاولات التي لم تؤدّ الغرض المطلوب.
ولفتت المصادر الوزارية إلى أن هذا المؤتمر يحظى بدعم من رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري ورؤساء الكتل النيابية وأصحاب الاختصاص من وزراء ومعنيين بالشأنين الاقتصادي والمالي، وقالت إن الدعوة لانعقاده التي وجهها عون ستفتح الباب أمام تبادل الآراء بصراحة، وأن تكون على مستوى التحديات التي يواجهها البلد من دون لف أو دوران، خصوصاً أن الأمور وصلت أو ستصل إلى تعذّر الاستدانة من المصارف، وبالتالي فإن الضرورة تقتضي وضع خطة إنقاذية لإنعاش الاقتصاد من الركود القاتل الذي هو فيه الآن.
وأكدت أن المصارحة يُفترض أن تكون السائدة لدى مَن يشارك في المؤتمر في عرض وجهة نظره وطرح ما لديه من أفكار، وقالت إن انعقاده يتزامن مع محطتين لا يمكن القفز فوقهما، الأولى تتعلق بقرب مناقشة مشروع الموازنة لعام 2020 في مجلس الوزراء، والثانية بوصول الوزير الفرنسي المفوّض من حكومته بمتابعة مناقشة الآلية الواجب اعتمادها للإفادة من مقررات مؤتمر «سيدر» لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته الاقتصادية والمالية. ورأت المصادر الوزارية أن الهدف الأول من الدعوة لهذا المؤتمر يكمن في توفير الغطاء السياسي لعدد من الإجراءات والتدابير الاستثنائية الواردة في مشروع الموازنة مع أنها غير شعبوية، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن هدر الوقت لم يعد مسموحاً به، وإن إضاعة الفرص بدلاً من الإفادة منها ستجر البلد إلى الانهيار.
واعتبرت أن ما حصل طوال فترة إقرار الحكومة لمشروع الموازنة ومناقشته والتصديق عليه يجب ألا يتكرر، خصوصاً أن موازنة العام الحالي شهدت تبدُّلاً في مواقف بعض الكتل النيابية التي وافقت في مجلس الوزراء على بعض البنود الواردة فيها، لكنها سرعان ما انقلبت على موافقتها لدى مناقشتها في البرلمان.
وقالت إن هذا المؤتمر يجب أن يوفر الحماية السياسية للحكومة في حال لجأت إلى اتخاذ تدابير غير شعبوية وليست مألوفة لخفض العجز، وأكدت أن هناك ضرورة لإخراجها من المزايدات، وأن مشاركة أصحاب القرار في المؤتمر من شأنه أن يضع الكتل النيابية أمام مسؤولياتها لجهة الالتزام بكل ما سيصدر عنه من توصيات وليست قرارات، لأن الأخيرة من شأن مجلس الوزراء مجتمعاً.
واستبعدت المصادر الوزارية أن تكون هناك ورقة عمل جاهزة ستُطرح على طاولة المؤتمر، وقالت إن المشاركين لم يتبلغوا من رئيس الجمهورية أي شيء من هذا القبيل. وأضافت أن المشاركين سيتقدمون بمجموعة من الأفكار يصار إلى مناقشتها تمهيداً لإدراجها على شكل توصيات تتولى الحكومة توثيقها، ومن ثم صياغتها على أساس أنها مقررات ستكون من ضمن موازنة العام المقبل.
وقالت إن الرئيس بري، وإنْ استبق انعقاد المؤتمر بتحذيره من الخطر الداهم على الوضعين الاقتصادي والمالي، فإن الرئيس الحريري سيبادر إلى طرح مجموعة من الأفكار تحت عنوان «وجوب تسريع العمل لإعادة تحريك العجلة الاقتصادية»، انطلاقاً من أن التباطؤ سيقحم البلد في أزمة خانقة، خصوصاً أنه لم يعد من الجائز وبعد مضي أكثر من عام ونصف العام على مقررات مؤتمر «سيدر»، أن لا نبادر إلى وضعها تدريجياً على سكة التنفيذ للإفادة منها في إنقاذ الوضع الاقتصادي. كما أن الحريري سيطرح مسألة بأهمية المقررات التي صدرت عن مؤتمر «سيدر» وتتعلق بتراكم نحو 5 مليارات دولار هي عبارة عن مجموعة من القروض الميسّرة والهبات التي حصل عليها لبنان من المؤسسات والبنوك والصناديق الدولية ولم نحرك ساكناً حتى الآن لإنفاقها على تنفيذ مشاريع استثمارية تؤمن فرص عمل جديدة للبنانيين.
لذلك يخطئ مَن يعتقد أن الأفكار المطروحة والمتعلقة بشد الأحزمة يراد منها إيصال البلد إلى انكماش قاتل بمقدار ما أنها يجب أن تأتي (بحسب المصادر الوزارية) في سياق إعداد رؤية اقتصادية متكاملة أقلها على امتداد السنوات الثلاث المقبلة، وهذا ما يجب أن تلحظه الموازنة لعام 2020.
وفي هذا السياق، رأت المصادر نفسها أن إنقاذ الوضع الاقتصادي يكون بضبط الإنفاق، لأنه من غير الجائز الاستمرار في هذه الحالة، وتقوم الدولة بإنفاق أكثر من مدخولها. وقالت إن إعادة الإنعاش إلى الاقتصاد تتطلب أولاً توفير الإرادة السياسية الجامعة بوقف المناكفات والهروب إلى الأمام في اللجوء إلى المزايدات الشعبوية. وشدّدت على ضرورة خفض العجز بدءاً بترشيق القطاع العام من خلال وقف التوظيف لمدة 3 سنوات، وتجميد الرواتب للعاملين فيه، وقالت إن مثل هذه الإجراءات تؤمن العلاج ولو على مراحل للانكماش الاقتصادي والإنفاق الجاري، بدلاً من أن تعطى الأولوية للإنفاق الاستثماري، بشرط أن يقر الجميع بأهمية التكيّف مع هذا الواقع الاستثنائي من ناحية والإقلاع عن الذهنية التي تتحكم ببعض الأطراف التي تحاول أن تقاتل لتأتي المشاريع التي يراد تنفيذها على قياس مناطقها بدلاً من أن تكون على قياس الوطن.
وعليه، هل يتوّج المؤتمر الاقتصادي أعماله في التوصل إلى توصيات من ضمنها الدعوة لاتخاذ تدابير قاسية على المواطنين، بشرط أن تأتي في سياق التوافق على الإطار العام الذي يعبّد الطريق أمام مجلس الوزراء لوضع رؤية اقتصادية متكاملة ولا يصطدم بعراقيل هي أشبه بألغام سياسية مزروعة تأخذ البلد إلى مزيد من الانهيارات؟
في ضوء كل ذلك فإن المدعوين للمشاركة في الحوار الاقتصادي سيضطرون إلى تفادي «توظيف» ما سيتم التوافق عليه من إجراءات غير اعتيادية في إقحام البلد في مزيد من الانكماش الاقتصادي، لأنه بذلك يكون هؤلاء – كما تقول المصادر الوزارية – قد أوقعوا البلد في مشكلة كبرى بدلاً من تأمينهم لشروط تدفع في اتجاه إحداث تبدُّل في المناخ الاقتصادي لمصلحة السير قدماً إلى الأمام على طريق إنعاشه.
ومع أن المجتمع الدولي يترقّب ما سيصدر من توصيات عن مؤتمر بعبدا، فإن مجرد الدعوة لانعقاده على وجه السرعة يعني أن الخطر الاقتصادي يقف على الأبواب، وهذا باعتراف كل من يشارك فيه، خصوصاً أن البديل يبقى في إدارة الأزمة في ظل أفق مسدود، فهل يخرج بتوافق على خريطة طريق تأخذ بها الحكومة وتعمل من أجل ترجمتها إلى مقررات تُدرجها في صلب الموازنة للعام المقبل؟