كتب مازن مجوز في “نداء الوطن”:
روائح النفايات تستقبلكم، أهلا بكم في مطار رفيق الحريري الدولي. واجهة لبنان الى العالم. الزحمة الخانقة تودعكم في صالة المغادرة. لبنان يشكر مجيئكم. رافقتكم السلامة بعد ساعات الحشر. كل يوم، تمتلئ صفحات الـ “سوشيل ميديا” بما لا يليق بلبنان السياحة والضيافة … خصوصاً أن مقاربة الأرقام تشير إلى أن حركة المطار زادت خلال شهر تموز على سبيل المثال 11% عن العام الماضي وبنية المطار لا تسمح حالياً على رغم كل التحسينات باستيعاب و”هضم” تنامي حركة المسافرين. فهل من مخرج لهذا الواقع ؟ وهل صارت خصخصة المطار وراء الباب؟
مع تطور حركة النقل والسفر العالمية وازديادها ، تحولت المطارات تدريجياً من مرافق عامة تخدم المسافرين إلى مشاريع استثمارية تدر الأرباح، بعد أن كانت استنزافاً له. ويمثل “مطار هيثرو” في بريطانيا أول المطارات المُخصصة في العالم وذلك في بداية الثمانينات، وتلتها كندا في منتصف التسعينات. وتدريجياً، بدأت الدول خصخصة مطاراتها، سواء جزئياً أو كلياً حتى أصبح نصف سعة المطارات في أوروبا مملوكاً للقطاع الخاص، ولا تزال الخصخصة في ازدياد في الدول الأوروبية.
وتهدف خصخصة المطارات إلى تحويلها مؤسسات ربحية، وتشير الإحصاءات إلى أن ثلثي مطارات العالم في الوقت الحالي غير مدرة للأموال، وأحد أسباب هذه الخسائر الملكية الحكومية للمطارات.
وفي وقت لم تتوجه الدول الآسيوية الكبرى، كالصين والهند، إلى خصخصة مطاراتها، يبدو أن بلد الأرز، البلد الصغير آسيويا يتجه نحو خصخصة مطاره، وفي هذا السياق يكشف مصدر مطلع لـ “نداء الوطن ” أن هناك توجهاً جدياً نحو خصخصة مطار رفيق الحريري الدولي إلاّ ان الحكومة حتى اللحظة لم تنجز دفتر الشروط، وفي التفاصيل التي أوردها “أن شركة تابعة للبنك الدولي وبتكليف من الحكومة ستقوم بتحديده وستنجزه في نهاية العام الحالي، وفي اوائل الـ 2020 تطرح هذه المناقصة العالمية في العلن من أجل تخصيص المطار، والشركة التي ستفوز بالمناقصة هي من تقوم بالإدارة والتشغيل والاستثمار”.
ورجح المصدر أن تكون الشركة الفرنسية ADP) Aéroports de Paris)، التي تدير “مطار عمان ” حاليا، هي الفائزة في المناقصة، مؤكدا أن هذا الاجراء في حال حصوله، فإنه سيشكل نقطة تحول في أداء وإنجازات ومداخيل المطار .
في الـ 20 من آب الفائت وبعد وصوله الى مطار رفيق الحريري الدولي آتياً من واشنطن، إفتتح رئيس الحكومة سعد الحريري المرحلة الثانية من توسعة المطار، والتي هي عبارة عن اعتماد آلات سكانر جديدة؛ حيث سيتم الإستغناء عن نقطة التفتيش الأولى عند قوى الأمن الداخلي، ويتوجه المسافر المغادر مباشرة الى الـ boarding pass ومن ثم الى نقطة الأمن العام، إضافة إلى الإستغناء عن نقطة التفتيش الثانية التي كانت موجودة قبل الدخول الى الطائرة.
وكان رئيس المطار المهندس فادي الحسن قد أعلن أنه مع نهاية الصيف الحالي، تزامنا مع زيادة نقاط الأمن العام، كل ذلك بهدف جعل الراكب يتحرّك بسهولة أكبر، لافتا إلى أن تكلفة المشروع الكاملة هي 18 مليون دولار وتشمل أيضا إعتماد نظام جديد للأمتعة، إضافةً الى تحسين البنية التحتية بما في ذلك المولدات.
مشدداً على أن “الإجراءات المتّخذة سترفع القدرة الإستيعابية للمطار وتأمين حركة إنسيابيّة أسهل للمسافرين”. وستترافق هذه الاجراءات مع زيادة كونتوارات الأمن العام من 22 إلى 34 تسهيلاً لعملية ختم جوازات السفر .
هذا التحسين في إجراءات التفتيش والتخفيف منها، يعتمد على نظام الـ BHS المتطوّر الذي بلغت تكلفته 6.4 ملايين دولار. وهو يتضمن تركيب تسعة أجهزة سكانرز بعد كونتوارات الـ check in وقبل نقطة الأمن العام، وتسعة أجهزة سكانرز كبيرة تم تركيبها عند المهابط. ومن المتوقع أن تحل هذه الأجهزة بديلا عن نقطة التفتيش التابعة للأمن الداخلي، التي تسبق كونتوارات الـ check in الثلاثة شرقاً والثلاثة غرباً، وكذلك عن نقطة التفتيش الخارجية التي تلي نقطة الامن العام. وهذا يعني أن مسار المسافر عبر مطار بيروت سيصبح على غرار مطارات العالم، حيث يتوجه مباشرة إلى كونتوارات الـ check in حيث تُسحب حقائبه إلى المهابط ليتم تفتيشها عبر السكانر المستحدثة، ثم يمر عبر نقطة تفتيش واحدة تعتمد نظام الـ BHS ، بعدها يتّجه الى الأمن العام وينتهي مروره في المطار.
بدوره أوضح رئيس لجنة الاشغال العامة والطاقة والنقل والمياه النائب نزيه نجم أن “FAST TRACK” هو ممر سريع في منطقة الوصول، مخصص لركاب الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال، كامتياز لهم على ثمن تذكرة السفر الذي دفعوه، وهذا ما سيؤمن مليون راكب إضافي على القدرة الإستيعابية .
وإذ يشيد نجم بأداء وزير الاشغال العامة والنقل (يوسف فنيانوس)، تمنى من الركاب القليل من الصبر و”لأيام معدودة”، ريثما يتم الإنتهاء من تدريب وتأهيل العناصر والضباط الامنيين على الأجهزة المتطورة، بعد زيادة عددهم، معلقاً على الإجراءات الامنية الجديدة بأنها “العملية المتبعة في كل بلدان العالم”.
وبالنسبة إلى تكاليف عمليات إعادة التأهيل والتوسعة من الداخل والخارج يقول: “في الواقع يحتاج المطار الى 160 مليون دولار، كي يتمكن من استيعاب 10 ملايين راكب، ومنذ 20 سنة لم تصرف ليرة عليه، فيما مداخيله تتراوح بين 350 و400 مليون دولار”.
أرباح مطار عمان زادت من 5 إلى 6 أضعاف
مصدر مطلع على ملف المطار، توقع أن يتخطى عدد المسافرين مع نهاية العام الحالي الـ 9 ملايين مسافر، “ومع الإنتهاء من الـ fast track ، فكأنك تجهز المطار لـ 7 ملايين ، عندها تنخفض الزحمة بنسبة معينة، ويرتاح المواطن أكثر” مشيرا إلى وجود اقتراح بالقيام بتحسينات كبيرة على المطار تصل تكلفتها الى 160 مليون دولار، لكن الدولة “مفلسة” ولا يوجد ليرة في جيبها، أما مبلغ الـ 18 مليون دولار فهو يأتي كسلفة لمجلس الانماء والاعمار، الذي يقوم حاليا بالتحسينات والحصة الاكبر منه مخصصة للـ fast track.
ويكشف المصدر لـ”نداء الوطن”أنه كان هناك تفكير بإقامة مبنى آخر للمطار بهدف توسيعه أكثر، لكن ذلك يكلف كثيرا والدولة غير قادرة في الظروف الصعبة الحالية، وتكلفته قد تصل الى 500 مليون دولار، وفي هذه الحال فإنه حتى الطيران المدني لا يعود له علاقة بالموضوع، ويكون هناك إشراف فقط على الشركة الخاصة التي ستستلم، إلا انه حتى اللحظة لم ينجز دفتر الشروط، مشيرا إلى أن هناك شركة تابعة للبنك الدولي وبتكليف من مجلس الوزراء ستقوم بتحديد دفتر الشروط وستنجزه في نهاية العام الحالي وفي اوائل الـ 2020 تطرح هذه المناقصة العالمية في العلن من أجل تخصيص المطار، والشركة التي ستفوز بالمناقصة هي من تقوم بالإدارة والتشغيل والاستثمار .
وكمثال على هذه الرؤية يعطي المصدر “مطار عمان” الذي يعتمد على استراتيجية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث تنال الدولة الاردنية 54،5 في المئة، واليوم زادت أرباحها بين 5 إلى 6 أضعاف عما كانت عليه، بفضل شركة فرنسية اسمها Aéroports de Paris، ومرجحاً أن تكون هي الفائزة في مناقصة مطار رفيق الحريري الدولي .
ويشرح المصدر: “أن هذا الاجراء في حال حصل، فإنه سيشكل تحولاً مهماً داخل أروقة المطار، إذ يختفي الكثير من حالات “الوساطة” الحاصلة فيه والتي يعاني منها، كأن يهاتف مسؤول سياسي أحد المدراء في المطار متوسطاً لديه ليؤمن وظيفة أو عملاً لأحد اقاربه أو لشخص “يهمه أمره”، أو أن يطلب منك أحد أن تنجز له عملاً ما بضغط سياسي أو ما شابه، وهذا الامر مريح جداً على مستوى أداء المطار على مستويات عدة ومفيد للدولة تماما لأن القطاع الخاص هو انجح من القطاع العام”.
الشراكة تلبية لمطالب سيدر وماكينزي
في المقابل ينفي الاكاديمي البروفسور بيار خوري أمين سر الجمعية الإقتصادية اللبنانية، حصر حجم المشاكل التي واجهها المسافرون في الفترة الاخيرة بحجم المطار فقط، وانما أيضا بفعالية الجهاز الاداري فيه، معطياً مثالاً المشكلة التي حصلت في النظام الالكتروني للسفر، وحالات الزحمة والاختناق في صالات المطار، ثم الزحمة الاستثنائية مع الورشة الحاصلة، داعيا إلى الإنتهاء من البطء في مرحلة نحن بحاجة الى العمل بسرعة ودقة.
ويعزو خوري السبب إما لتغيب كبار الموظفين عن مهامهم، وإما ان هناك إستغلالاً لهذه الظروف يتمثل بتجول أشخاص بين المسافرين المنتظرين ليحدثوهم عن دفع مادي مقابل تسهيل مرورهم على البوابات بسرعة، “طبعا هذه مؤذية اكثر من العوامل الآنفة الذكر، لأن الناس ستنظر الى هذا الوضع بصفته عملاً لااخلاقياً، هدفه تنفيع بعض الفاسدين”.
ورجح خوري ادخال المطار في اطار مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص وهذا ما تشجع عليه “مقررات سيدر” و “خطة ماكينزي”، وربما هذا قد يجعل خدمات المطار اكثر كفاءة مستدركاً “لكن علينا ان ننتبه الا يكون ذلك من ضمن شروط تشبه الصفقة التي فيها منتفعون بل على العكس أن يكون هناك رقابة على مستوى ارباح الشريك من القطاع الخاص وعلى جودة خدماته وهذا هو الاساس.