كتب د. فادي خلف في “الجمهورية”:
سألني أحدهم عن سبب الانخفاض الحاد في الرسملة السوقية لبورصة بيروت، فأجبته «لا تَعجَبنّ من سقمي، صحتي هي العجب».
من الإجحاف أن ننظر الى أداء أيّ سوق مالي في العالم دون النظر الى أداء الاقتصاد، إذ لا يوجد في العالم سوق مالية نشطة بوجود اقتصاد يعاني. طبعاً العكس ليس صحيحاً، فقد توجد أسواق مالية ضعيفة ضمن اقتصادات نشطة، عندها يعود السبب الى البورصة وتتّجه الأنظار الى تصحيح الخلل.
لا يختلف اثنان على أنّ لبنان يقع ضمن الحالة الاولى حيث تعاني البورصة من التأثير الاقتصادي على أدائها بحكم أنّ الشركات المدرجة في بورصة بيروت هي شركة سوليدير، عدد من المصارف وشركة الاسمنت. وقبل أن اُفَصِّل أداء هذه القطاعات أودّ أن أفي بورصة بيروت حقّها من إمكانية التفاعل مع الاقتصاد حيث تجاوزت رسملتها السوقية قبل الأزمة المالية العالمية في العام 2008 الستة عشر مليار دولار، يوم كانت التدفقات المالية تُضَخُ في الاقتصاد اللبناني عبر قطاع المصارف والقطاع العقاري. أما اليوم فالقطاع المصرفي على الرغم من صلابته يعاني من شحّ التدفقات المالية الى لبنان لأسباب باتت معروفة من الجميع ومن التخفيض في التصنيفات العالمية بسبب تمويله للعجز المتفاقم للدولة. لأسباب مماثلة يرزح القطاع العقاري منذ شهر نيسان 2010 تحت ضغوط سببها وفرَة العرض وشحّ الطلب المتاثر بالوضع الإقليمي أكان من الناحية السياسية أو من ناحية ركود السوق العقاري في المنطقة ككل.
التفسير أعلاه لا يُعفي السياسات الاقتصادية والمالية المتتابعة منذ إعادة اطلاق البورصة في التسعينات من مسؤولياتها، فالبورصة رغم محاولاتها تطوير نفسها، لم ترقَ يوماً الى تطلعات المواطن اللبناني ولا الى النسب التي يجب أن تحتلّها الأسواق المالية من مجمل الناتج القومي، إذ لم تشكل في أحسن حالاتها اكثر من خمسة وعشرين في المئة من الناتج القومي (اليوم فقط 15%) في وقت يزيد المعدل العام في البلدان العربية عن الخمسة والاربعين في المئة حالياً (متوسط النسب العالمية تفوق 70%). ان انخفاض هذه النسبة في لبنان يعود الى عاملين اثنين:
الاول: لم تكن البورصة يوماً من اولويات السياسات الاقتصادية والمالية في لبنان، حتى إنني في معرض إصراري على إدراج المؤسسات العامة القابلة للتخصيص يوم كنت رئيساً لبورصة بيروت، أجابني وزير المالية وهو وزير الوصاية على البورصة أنّ الدولة تهتم أولاً بسعر البيع وليست بوارد وضع شروط إضافية من بينها الادراج في البورصة، ما قد يؤثر على قرار المهتمين بالشراء. يومها ادركت أنّ بورصة بيروت لم تكن على جدول أعمال الوطن ككل. هنا تجدر الاشارة الى أنّ إحدى الدراسات التي ناقشها الاتحاد العالمي للبورصات في تلك الفترة كانت تثبت أنه حتى أعرق البورصات العالمية ما كانت لتأخذ حجمها الحالي لولا إدراج مشاريع الخصخصة عليها وذلك لأنّ ما تؤمّنه تلك المشاريع من رسملة سوقية ضخمة واتّساع لقاعدة المستثمرين لم يكن متاحاً لاية شركة خاصة مهما كبر حجمها في حال إدراجها في البورصة. طبعاً لم تقم الدولة باية عملية خصخصة منذ ذلك الحين، كما لم تولي البورصة أيَّ اهتمام. وأكبر دليل على ذلك انه منذ استقالتي من رئاسة البورصة في آب 2009 بعد انتخابي أميناً عاماً لاتّحاد البورصات العربية، لم تقم أيّ من الحكومات بتعيين رئيس جديد للبورصة.
ثانياً: طغيان القطاع المصرفي حجماً ومقدرات، بحيث يشكّل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني مع ايداعات تزيد على عشرين ضعف الرسملة السوقية للبورصة. من المعروف أنه مهما دعا الكثيرون الى التكامل بين قطاعي المصارف ورأس المال، الّا أنّ التزاحم على جذب رؤوس الاموال في ما بينهما هو مبدأ لا جدل حوله. إنّ الفصل بين هذين القطاعين قد يصحّ في الكثير من البلدان في العالم إنما في لبنان وبفعل التفاوت الهائل في الأحجام وانطلاقاً من المثل القائل «العين لا تقاوم المخرز».
إن ما يحدث اليوم، من اشراك الدكتور رياض سلامة للقطاع المصرفي مع قطاع رأس المال عبر المنصة الإكترونية وعبر إشراك بورصة عالمية (بورصة اليونان) كمشغلٍ، يمكنه أن يُحدث خرقاً في الجمود الحالي. إنّ ما يعزّز التفاؤل هو ما علمته من الصديق سوكراتس لازاريدس، الرئيس التنفيذي لبورصة اليونان، بأنّ هناك ارادة في الاستفادة من الحصة التي تملكها بورصة اليونان في بورصة الكويت كما وصلتها الوثيقة ببورصة قبرص، لإنشاء شبكة اقليمية متكاملة بين البورصات الاربع.
أما في ما يختص بالتكامل بين مهام بورصة بيروت والمهام المرتقبة للمنصة الإكترونية فسيتحدّد ذلك تبعاً للخطوات المتوقعة على صعيد خصخصة بورصة بيروت التي أقرّها مجلس الوزراء في ايلول 2017 والتي ما زالت في طور التطبيق. حتى ذلك الوقت، ستبقى بورصة بيروت مرآة للاقتصاد اللبناني، تنتظر الحلول التي لا حول لها فيها ولا قوة.