أظهر التصعيد الأخير بين إسرائيل وحزب الله أن هذا الأخير هو من يملك قرار السلم والحرب في لبنان، وليس الدولة اللبنانية التي انحصر دورها في محاولة تخفيف التوتر بقدر الإمكان لتجنب سيناريو حرب لو اندلعت فإن البلد سيكون أبرز المتضررين منها، خاصة وأنه يواجه أزمة اقتصادية مستفحلة تستوجب عملية جراحية عاجلة.
ولا تخفي قوى سياسية لبنانية قلقها مما كشفت عنه الأيام الأخيرة من ترهل هيبة الدولة وتفسخ سيادتها أمام طرف لا يخفي ولاءه التام وتبعيته لجهة إقليمية. وبدا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الأعلى صوتا في التنديد بما آلت إليه صورة الدولة قائلا مساء الأحد “لا نفهم وفق أي أسس ومعايير يريد أحد الأطراف اللبنانيين، الزج بلبنان وشعبه في أتون المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران؟ من غير المسموح به أن يفرض على اللبنانيين أمر واقع بهذه الخطورة”.
وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إنه كانت “تفصلهما 30 دقيقة” فقط عن الحرب عندما أصيبت المركبة الإسرائيلية. لافتة إلى المركبة التي دمرها حزب الله، كانت خالية لحظة إصابتها، لكن جنودا كانوا بداخلها قبل نصف ساعة فقط من الضربة.
وتعتبر أوساط سياسية أن العملية التي نفذتها مجموعة “حسن زبيب وياسر الظاهر” كانت مدروسة بالواضح من قبل حزب الله الذي كان ملزما بردّ “يحفظ ماء الوجه” أمام جمهوره خاصة بعد التزام الأمين العام للحزب حسن نصرالله بذلك في إطلالتين، بالمقابل كان حزب الله حريصا على أن لا يفجر حربا ستكون مكلفة جدا بالنسبة له ولداعمته إيران التي تخوض مفاوضات في الكواليس تمهد لحوار مع الولايات المتحدة، وهي لا تريد بذلك أي توتر من شأنه أن يفرمل الأجواء الإيجابية التي طبعت الأسابيع الأخيرة وتحديدا منذ قمة الدول السبع في فرنسا.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان صدر الاثنين إن إسرائيل ليست لديها نية للاستمرار في تصعيد الوضع، مستدركا “لكن إسرائيل مستعدة للرد بكل قوة على أي هجوم، وتُعتبر الدولة اللبنانية هي المسؤول الوحيد عن ذلك”.
ويكاد يجمع المحللون على أنه بقصف حزب الله والرد الإسرائيلي، فقد أسدل الستار على جولة التصعيد الأخطر بين الطرفين منذ حرب 2006، وإعادة تفعيل قواعد الاشتباك السابقة، لافتين إلى أن حزب الله نجح من خلال هذه الجولة في تثبيت المعادلة الشاذة وهي “هيمنة الدويلة على الدولة”.
وبدت الدولة اللبنانية بمؤسساتها الرسمية، في خضم الأحداث الأخيرة، الحلقة الأضعف التي لا تمتلك سلطة القرار بيدها، مكتفية بالتحرك دبلوماسيا لدى القوى الغربية لفرملة أي اندفاعة إسرائيلية، واختصر رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل المشهد قائلا في أحد تعليقاته “الشعب اللبناني والنواب والوزراء كمن يتابع فيلما سينمائيا يدور حول من يأخذ المبادرة ويقرر ويخاطب ويهدد كما لو كانت الدولة اللبنانية غير معنية بحماية شعبها وكما لو كان التعدي على لبنان لا يعنيها وأن حزب الله أصبح هو الدولة وجمهوريتنا هي الدويلة وليس العكس”.
وأثار هذا الانكشاف الواضح لضعف الدولة خيبة أمل كبيرة لدى أوساط سياسية وشعبية، كانت تأمل في أن يترجم الرئيس ميشال عون مقولته الشهيرة حول “العهد القوي” من خلال استعادة الدولة فعليا لزمام الأمور وفرض هيبتها سواء من خلال التصدي للخروقات الإسرائيلية وأيضا منع احتكار ميليشيا لديها أجندات خارجية لسلطة القرار.
وحاولت بعض الأصوات المحسوبة على “الشق السيادي” دق ناقوس الخطر حيال ما يجري والدفاع عن الدولة وهيبتها وإعادة التذكير بضرورة بحث الاستراتيجية الدفاعية على غرار القوات والكتائب لكن هذه القوى جوبهت بحملة شرسة من الأطراف المقابلة. وفي معرض تصريحاته مساء الأحد أعرب جعجع عن “أشد الأسف” أن “العهد الذي أردناه وما زلنا؛ عهد استعادة الدولة من الدويلة، عهد بحبوحة وازدهار، لم يكن حتى اليوم على قدر كل هذه الآمال”.