من معراب بدأت الملامح، وفي قصر بعبدا ظهرت جليّة، فهل تنتهي القوات اللبنانية في المعارضة؟ السؤال المشروع تبادر الى ذهن كل لبناني تسنت له متابعة مواقف رئيس الحزب سمير جعجع، ان في خطابه في ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية او في طرح “حكومة الصدمة” على طاولة حوار بعبدا، ما دام لم يوفر العهد الذي كانت له اليد الطولى فيه من خلال شراكته في التسوية التي اوصلت الرئيس ميشال عون الى قصر بعبدا من سهام الانتقاد المباشر، اذ قال بالفم الملآن للمرة الاولى منذ ابرام التسوية “نأسف أشد الأسف أن العهد الذي أردناه وما زلنا عهد استعادة الدولة من الدويلة، عهد بحبوحة وازدهار، لم يكن حتى اليوم على قدر كل هذه الآمال”. اما على طاولة حوار بعبدا الاقتصادي السياسي ففجر “قنبلة” طرح استقالة الحكومة التي يشارك فيها، ليسدد سهما جديدا الى حليفه الاستراتيجي الرئيس سعد الحريري بوضع حد لحياة حكومته. فإلى اين تتجه القوات اللبنانية وهل تنوي حقا الانتقال الى المقلب المعارض بعدما خسرت رهانها على عهد ارادته قويا فلم يكن على قدر الرهان، في لحظة تجد نفسها في دائرة الاستهداف من بعض الحلفاء قبل الخصوم؟
القوات في مواقعها حكوميا ونيابيا ومستمرة في كل مربعات المواجهة من اجل تحقيق الاهداف سياسيا واقتصاديا وليست في وارد الخروج من اي منها، تقول اوساط معراب لـ”المركزية”. لا اتجاه الى المعارضة التي لا ترى معراب اساسا انها موجودة بمفاهيمها الحقيقية في لبنان، كما في سائر البلدان حيث تصبو الى اطاحة الحكومة والعهد ورئيس البلاد. ليس هذا هدف القوات، قطعا لا، تؤكد الاوساط، هدفها تصويبي اصلاحي انقاذي بامتياز من اجل بناء دولة قوية بالقول والفعل وهي لم تبرم تفاهماتها وتسوياتها الا خدمة لهذا الهدف. هي في كل المواقع والمربعات السياسية التي تشغلها راهنا تسعى إلى الدفع في الاتجاه المشار اليه وإبراز مواقفها السياسية الاصلاحية وتثبيتها وتفعيل الحضور والدور للغاية، فيما الانتقال الى المعارضة لا يمكن ان يُحدث التغيير المنشود، ولا حرج في استمرار وجودها داخل الحكم وتسمية الاشياء بأسمائها من خلال الاضاءة على الصح للثناء عليه والخطأ لتصويبه.
اما طرح “الحكيم” في حوار الاثنين فليس الا نتيجة ما بلغته الامور من انعدام ثقة بين الدولة والمواطن والمؤسسات الدولية، تضيف الاوساط، وهو ما يقر به اكثر من مسؤول وُجد على الطاولة نفسها الى جانب جعجع، فالبلاد على مفترق طرق خطير ولا يجوز استمرار التعاطي مع هذه الخطورة كمن يهرول في اتجاه حائط على امل ان يفسح له المجال للمرور، فنستمر في سياسة الترقيع المعتمدة منذ عقود والتي كانت خلف ما وصلت اليه البلاد. فإما تنفيذ اصلاحات جذرية فورية او احداث صدمة ايجابية من خلال تشكيل حكومة من اهل الاختصاص والخبرة بعيدة كل البعد عن مصالح السياسيين الذين يبدّون مصالحهم الخاصة على العامة كما يحصل راهنا، على ألّا يكون وزراؤها من افرقاء المستشارين والموظفين لدى هذا المرجع او ذاك الوزير، بل من خيرة رجال الاعمال المستقلين بقراراتهم والمشهود لهم في مجالاتهم يعملون باستقلالية تامة بغطاء سياسي ويمنحون صلاحيات استثنائية لتنفيذ خطة انقاذية يضعونها لإخراج البلاد من الازمة. ان حكومة من هذا النوع لمرحلة انتقالية من شأنها ان تحدث صدمة ايجابية لدى الرأي العام اولا على مستوى تشكيلها ونوعية وزرائها وثانيا لجهة استعادة الثقة بأنها لن تكون حلبة نزاعات للقوى السياسية على غرار ما حصل ابان حادثة قبرشمون، وثالثا على المستوى الدولي من خلال استعادة ثقة المستثمرين في الخارج والمؤسسات والصناديق الدولية، ورابعا برسم خطة عمل لتغيير حقيقي في القطاعات المشكو منها كافة لوضع مالية الدولة على سكة الاصلاح الحقيقي.
ان مهلة الاشهر الستة الممنوحة للبنان قبل اعلانه “دولة ساقطة” لم تعد تتسع لسياسات الترقيع، تختم الاوساط، فإما الخروج من مستنقع تغليب المصالح السياسية والشخصية الى فلك القرار الجدي باصلاح الدولة من الفها الى يائها وإلا “على الدولة ومن فيها السلام”.