كتب د. عامر مشموشي في صحيفة “اللواء”:
لعل جلّ ما خرج به اجتماع بعبدا الذي جمع كل رؤساء الأحزاب والكتل النيابية، موالاة ومعارضة هو إعلان حالة طوارئ عامة في البلاد أو تشكيل خلية أزمة تتابع تنفيذ خريطة الطريق الانقاذية التي أقرها المجتمعون، بعد مناقشات حامية وجدال مستفيض لم يخلُ من المناكفة حول أوراق العمل التي قدمت في هذا الاجتماع، الأمر الذي يدل بكل وضوح على عمق الأزمة التي وصلت إليها الدولة اللبنانية نتيجة تراكم الأخطاء والاهمال التي ارتكبتها الطبقة السياسية الحالية على مدى عشرات السنين الماضية.
والأهم من كل ذلك ان الأفكار التي طرحت في هذا الاجتماع ليست بجديدة ولا جدية، بقدر ما هي تكرار لأفكار سبق أن طرحت على مدى الأشهر الماضية لا سيما إبان مناقشة موازنة العام 2019 على مدى العشرين جلسة التي عقدها مجلس الوزراء قبل إقرارها وإحالتها إلى المجلس النيابي الذي توجها ببصمته كون كل كتلة ما عدا كتلة حزب الكتائب ممثلة في الحكومة، وبالتالي فإن معمظها قديم وسقط لغياب الإجماع السياسي حولها أو لتعارضه مع مصالح هذا الفريق الشعبية والمالية، وذلك الأمر الذي يستدعي السؤال الذي يتداوله الخبراء الاقتصاديون قبل اللبنانيين هل يكتب لخريطة الطريق أو الورقة التي خرج بها اجتماع بعبدا أن تسلك طريقها إلى التنفيذ الجدي هذه المرة، تحت وطأة مهلة الأشهر الستة التي اعطتها وكالة «ستاندرد أند بورز» للدولة لإثبات جديتها في إصلاح نفسها، أم أن الأمر لا يتعدى رفع المسؤولية لا أكثر ولا أقل.
رئيس الحكومة الذي هو حسب الدستور رئيس السلطة الاجرائية بدا بعد انتهاء الاجتماع الموسع متهيباً الواقع الدقيق، والخطر الداهم الذي يقترب في كل يوم تتأخر فيه الدولة عن الالتزام بتعهداتها لكي يتجنب البلد السقوط في الهاوية السحيقة، وقد رفع الرئيس الحريري الصوت عالياً منبهاً ومحذراً من انه إذا لم تنجح بيروت في رفع التحدي خلال الفترة المحددة فإن مصيرها لن يكون أفضل من مصير اليونان بالرغم من اختلاف الظروف الموضوعية بين لبنان واليونان.
الطرح الجدي الذي يُمكن أن يتوقف عنده الجميع من دون انفعال ولا حسابات الربح والخسارة، يتمثل في المطالبة برحيل الحكومة الحالية بعدما أثبتت فشلها في التصدي للأزمة وقيام حكومة اختصاصيين وتكنوقراط تشكل خلية أزمة دائمة، تجترح الحلول والإصلاحات المطلوبة محلياً ودولياً لخفض العجز المتمادي صعوداً وتحفيز النمو بما يوفّر للدولة فرصة جديدة لإنقاذ نفسها وتفادي السقوط في الهاوية التي نبّه منها رئيس حكومة بلا عمل بدلاً من حكومة هيا إلى العمل كما أطلقت على نفسها لكي تستعيد ثقة المواطن اللبناني الذي كفر بكل هذه الطبقة السياسية المسؤولة عن الحالة المزرية التي تتخبط بها الدولة.
ومن المفارقة أن رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الممثل بحكومة بلا عمل بأربع وزراء كان أول من رفع يده مؤيداً لطرح تشكيل حكومة التكنوقراط التي حملها إلى الاجتماع ممثّل المعارضة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، مما شكل ضربة قوية للحكومة كونه أتى من أحد أهل البيت، ودل إلى حجم التخبط والتعثر اللذين يرافقان عمل حكومة بلا عمل، وإلى انها أعجز في ظل تركيبتها الحالية وذهنية الحكم المعتمدة في إدارة دفة الحكم من رفع تحدي «الانقاذ» المطلوب، خصوصاً وان المجتمعين الذين أدلوا بدلوهم في اجتماع بعبدا يدركون ان اقتراح الجميل وجعجع جدير بالبحث ما دامت كل الأدوية الأخرى التي قدمت في الاجتماع الموسع وقبله عرضت في مجلس الوزراء تمَّ استخدامها أو محاولة استخدامها في الجسم اللبناني بطريقة عبثية ولم تعط أية نتائج ايجابية بل ازداد الوضع تأزماً وتدهوراً واضحاً واقتراح حكومة التكنوقراط هو الخرطوشة الأخيرة قبل فوات الأوان، فهل تقدّم السلطة الحاكمة على مثل هذه الخطوة الجريئة وتتخلى عن مكتسباتها؟ هذا هو السؤال.