Site icon IMLebanon

باسيل ليس ولياً للعهد!

كتب طارق ترشيشي في “الجمهورية”:

 

كلما اقتربت الاستحقاقات كلما تصاعدت التوترات السياسية والمناكفات، فكل ما يدور من خلاف هنا واختلاف هناك بين هذا الفريق السياسي وذاك، سببه هذه الاستحقاقات، ورغبة الجميع في ان يكون لكل منهم نصيبه الكبير فيها، ولذا فإنّ كل فريق يعمل لخوض هذا الاستحقاق كأن موعده غداً، ويعمل لمستقبله السياسي كأنّه يعيش أبداً ولا يفكّر في انّه قد لا يكون موجوداً غداً… والمثال ما يجري بين رئيس الجمهورية ميشال عون وحزب «القوات اللبنانية»، وكذلك بين «التيار الوطني الحر» وتكتله «لبنان القوي» برئاسة الوزير جبران باسيل، وبين «القوات» الحزب وكتلتها «الجمهورية القوية».
لماذا في هذا التوقيت بالذات قرّرت «القوات اللبنانية» الخروج عن خطابها المتحفظ إزاء العهد الى المباشر في الكلام المباح وغير المباح، أو في كلام المجالس وخارج المجالس؟

تُحدّد أوساط «القوات» سببين مباشرين لخروجها عن خطابها المتحفظ، ولكنها قبل الدخول في سرد السبب الاول، تشير الى أنّ «القوات» وعلى رغم من خروجها على التحفّظ لا تزال تميّز ما بين موقعي رئيس الجمهورية ورئيس «التيار الوطني الحر»، وترفض الخلط بينهما «انطلاقاً من حرصها على موقع رئاسة الجمهورية، وذلك على غرار فصلها بين الرئيس سعد الحريري كرئيس للحكومة وبين رئاسته تيار «المستقبل»، وايضاً فصلها بين الرئيس نبيه بري كرئيس لمجلس النواب وبين رئاسته لحركة «امل»، لأنّ للمواقع الدستورية لدى «القوات» صفتها الوطنية الجامعة للبنانيين، ودورها الدستوري والوطني».

السبب الاول لخروج «القوات» عن تحفظها، تقول اوساطها، هو «انّ الوضع الاقتصادي والمالي لم يعد يتحمّل تدوير زوايا، وبات يستدعي معالجات جذرية في ظل شعور «القوات» انّ مقاربته لا تتمّ بالطريقة المطلوبة وتعتب، انّ الوزير جبران باسيل هو من يتحمّل المسؤولية عن هذا الوضع، وكان يُفترض برئيس الجمهورية ان يضع حداً له، لأنّ جزءاً من التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد مردّه الى عدم الاستقرار السياسي الذي يتحمّل باسيل المسؤولية المباشرة عنه نتيجة مواجهاته المتكرّرة مع اكثر من طرف، وطرحه قضايا خلافية اثارت الانقسامات الوطنية والسياسية، وهذا الامر تحديداً، اي الاستقرار السياسي كان بنداً اساسياً في اجتماع بعبدا الاقتصادي الأخير، حيث اجمع المشاركون فيه على ضرورة الابتعاد عن الخلافات وتركيز الاهتمام على الملفات الاقتصادية. وبالتالي ما وصلت اليه البلاد لم يكن مصادفة وانما نتيجة ممارسة عمرها ثلاث سنوات كانت «القوات» تحذّر خلالها وتناشد رئيس الجمهورية ضرورة التدخّل لوضع الامور في نصابها الصحيح، ولكن الاوضاع وصلت في نهاية المطاف الى اجتماع يتطلب من الجميع الاستنفار قبل فوات الأوان.

ولذلك، ترى اوساط «القوات»، انّ من غير المجدي توجيه الاتهامات في هذا الاتجاه او ذاك، فيما كان يُفترض ان يشكّل عهد الرئيس ميشال عون عهد استقرار، ربطاً بالقوى الاساسية الداعمة لوصوله، ولو انه استفاد من هذه القاعدة الشعبية الواسعة التي لم تتوافر لغيره لكان في امكانه دفع البلاد قدماً نحو تحقيق الازدهار وترسيخ الاستقرار.

إلّا انّ ما حصل كان العكس تماماً، فبدلاً من أن تكون الأولوية انجاح هذا العهد وتركه بصمة تاريخية، كان في الامكان وبسهولة تحقيقها، انتقل الاهتمام الى البحث عن توفير الظروف المواكبة لإيصال باسيل الى سدّة رئاسة الجمهورية خلفاً لعون سنة 2022، فاختلط «حابل الرئاسة بنابل الخلافة» وتبدّلت الاولويات ودخلت البلاد في خلافات ما بعدها خلافات أوصلتها الى ما هي عليه. إلاّ انّ الاوان لم يفت بعد، فما زال للعهد نحو نصف ولاية، وفي امكانه تصحيح المسار والاختلالات بأخذه المبادرة لضبط حركة باسيل ورفع لواء الاستقرار وتركيز الجهود في اتجاه واحد هو ابعاد لبنان عن شفير الهاوية ودفعه نحو شاطئ الامان».

أما السبب الثاني لخروج «القوات» عن تحفّظها فهو، حسب اوساطها، «انها كانت تعتقد انّ انتخاب عون، وانطلاقاً من المبادئ العشرة التي رشحته على اساسها من معراب، سيضع حداً فاصلاً بين الدولة و«حزب الله»، وسيساهم دور عون الرئيس في توسيع هامش الدولة وحضورها ودورها، لكن جاءت الممارسة على الأرض لتظهر خلاف ذلك تماماً، حيث ضاقت الهوة بين الدولة و«حزب الله» وازيلت المسافة التي كانت رسمتها قوى 14 آذار منذ العام 2005 الى درجة انّ الدولة اصبحت في موقع المُظلّل لـ«حزب الله»، الامر الذي يشكّل خطورة على سيادة لبنان أولاً، وعلى علاقته مع المجتمعين العربي والدولي ثانياً، وعلى استقراره الإقتصادي والمالي ثالثاً في ظل العقوبات المفروضة على «حزب الله» بدءاً من واشنطن ووصولاً الى الرياض.

وعلى استقراره السياسي والعسكري رابعاً، لأنّ التماهي بين الدولة و«الحزب» يشكّل خطورة على لبنان باستجراره حروباً لا ناقة له فيها ولا جمل. ولذلك تأمل «القوات اللبنانية» ان يعاود رئيس الجمهورية رسم الحدود الفاصلة بين الدولة و«الحزب».

ومن هذا المنطلق، تقول الأوساط «القواتية» نفسها، «إنّ ملاحظات «القوات» وخروجها عن التحفّظ ليس من باب النكاية السياسية او المزايدة السياسية، وانما من باب الحرص على الاستقرارين الاقتصادي – المالي والسياسي، وكذلك من باب الحرص على دور رئيس الجمهورية وموقعه الدستوري في المعادلة الوطنية.

وفي هذا السياق، تذكّر «القوات» أنّها دعمت عون في أكثر من محطة ومناسبة بدءاً من قانون الانتخاب ووصولاً الى موضوع النازحين وما بينهما من مواقف في جلسات لمجلس الوزراء اكثر من ان تعدّ وتحصى، وبالتالي من المعيب تصوير «القوات» وكأنّها في مواجهة ضد رئيس الجمهورية فيما هي تؤيّد ما يجب تأييده انطلاقاً من اقتناعاتها وتعارض ما يجب معارضته ربطاً باقتناعاتها ايضاً».

أما الاسباب الاخرى للتحفّظ «القواتي» فتلخّصها اوساط «القوات» «بعدم تدخّل رئيس الجمهورية لمنع باسيل من التراجع عن «اتفاق معراب»، على رغم من انّ رئيس «القوات» الدكتور سمير جعجع كان فاتحه في هذا الموضوع وفي كل مرة كان يحيله الى باسيل نفسه.

ومعلوم انّ المصالحة والعلاقة السياسية هي علاقة مباشرة مع رئيس الجمهورية، وهذا لا يُعدّ انتقاصاً من باسيل، وإنما واقع الحال ان الخصومة والعلاقة التاريخية كانتا مع عون، وعلى رغم تفهّم «القوات» أنه اصبح في رئاسة الجمهورية إلاّ انها لا يمكنها ان تقتنع بأنّه لا يمكنه أن يمون على باسيل، خصوصا أنّ القاصي والداني يدركان انّ حجم تكتل «لبنان القوي» وشعبية «التيار الوطني الحر» يعودان الى عون شخصياً، فضلاً عن انّ باسيل، وانطلاقاً من «إستراتيجيته الرئاسية» رفض عن سابق تصور وتصميم التعاون مع «القوات» وعمل على محاصرتها وإحراجها لإخراجها والتضييق عليها أيضا بحساباته الرئاسية. فهي انتخبت عون رئيساً للجمهورية ودعمت عهده ولم تنتخب باسيل ولياً لهذا العهد، وهي ترفض الاشتراط أن يكون دعمها للعهد دعماً لخلافة باسيل. فهذا الخلط هو الذي اوصل الامور الى ما وصلت اليه، لأنّ «القوات» تدعم العهد وليست في وارد البحث في أي خليفة له، وبالتالي لو حُصر التركيز على انجاح العهد بعيداً من خلافته لما كانت وصلت العلاقة بين «القوات» وعون الى ما هي عليه، ولما كانت الاوضاع في البلاد وصلت الى ما هي عليه ايضاً».

ولكن «القوات»، حسب أوساطها، تعتبر «انّ المبادرة لا تزال في يد رئيس الجمهورية، وانّ التصحيح ما زال ممكناً ومتاحاً، خصوصا ان التحدّيات التي تواجهها البلاد مالياً واقتصادياً وسياسياً ووطنياً وسيادياً تستدعي وحدة موقف سياسي وطني جامع، وترحيل الملف الرئاسي الذي ولّد كل هذه النزاعات منذ 3 سنوات الى أوانه في 2022 ، فكل أوان لا يستحي من أوانه، وخصوصا انّ انتخابات رئاسة الجمهورية محكومة بظروف ومعطيات تُحسم في اللحظة الاخيرة، وموقف «القوات» في هذا الصدد معروف سواء لجهة الترشيح الثابت لرئيسها او لجهة انها تُشكّل أحد الناخبين الرئيسيين في هذا الاستحقاق الدستوري الحساس».