كتب حسين زلغوط في صحيفة “اللواء”:
شكلت زيارة المبعوث الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مقررات «سيدر» بيار دوكان إلى لبنان حالة من الطمأنينة لدى المسؤولين اللبنانيين، خصوصاً وانها جاءت بعد إقرار الموازنة واتخاذ سلسلة من الإجراءات الإصلاحية، لا سيما تلك التي جاءت في «لقاء بعبدا» الذي انعقد قبل يوم واحد من وصول الزائر الفرنسي إلى لبنان، وهو ما اعتبر لدى البعض بأنه إشارة إلى التزام لبنان بما طلب منه لناحية احداث إصلاحات تمهد الطريق امام تنفيذ مؤتمر «سيدر».
ما حقيقة ما جاء لأجله المبعوث الفرنسي، وما هي الخطوات التي طلبت الدول المعنية بمؤتمر «سيدر» من لبنان القيام بها؟
يقول أحد الوزراء السابقين المتابعين للاتصالات والمشاورات الجارية لتنفيذ بنود مؤتمر «سيدر» ان زيارة دوكان خلافاً لما يقال بأنه جاء إلى لبنان بعد الاجتماع الاقتصادي والمالي الذي حصل في قصر بعبدا وإقرار الموازنة، فالصحيح ان هذه الزيارة كانت مقررة قبل إقرار الموازنة وقبل «لقاء بعبدا» وهذه الزيارة كانت مناسبة للاطلاع على كل التدابير التي اتخذتها الحكومة اللبنانية على الصعيد الاقتصادي. كما ان هذه الزيارة هي لمعرفة الفارق بين ما قبل «سيدر» وما بعده.
وينقل الوزير المشار إليه عن دوكان قوله اننا في «سيدر» وخلافاً لما تقوله الدولة اللبنانية فإننا لم نطلب منها وضع ضرائب ورسوم جديدة، إنما طالبنا بإصلاحات جدية، وبالتالي فإن اقدام الحكومة اللبنانية على وضع هذه الضرائب والرسوم لا يعفيها من القيام باصلاحات، ونحن في الدول المانحة معيار الحكم لدينا على لبنان هو الإصلاحات وليس الضرائب. وزاد دوكان على كلامه تأكيده بأن على الدولة اللبنانية ان تعرف بأن «سيدر» ليس صندوق هبات أو قروض بل انه صندوق للمشاركة في الاستثمارات في مشاريع مفيدة، وليس أي مشروع، بل المشاريع التي نقتنع نحن بها، على ان تكون هذه المشاريع بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ويضيف الوزير السابق الذي واكب زيارة المبعوث الفرنسي ان دوكان نصح الدولة اللبنانية بضرورة التجاوب مع مطالب «سيدر»، لأن الشروط التي وضعت لأجل «سيدر» هي شروط هدفها النهوض بالحياة الاقتصادية والإنماء في لبنان، من دون ان يُخفي استياءه من محاولة لبنان الالتفاف على «سيدر» من خلال التعاطي المباشر مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لإعطاء إشارات إيجابية عن لبنان من دون الإصلاحات المطلوبة.
ويقول ان دوكان اعتبر ان إقرار الموازنة العامة للعام الحالي خطوة إيجابية بحد ذاتها، لكنها خطوة غير كافية بمضمون خفض العجز وإدخال معطيات واصلاحات جديدة على الموازنة التي يعتبرها سد حساب سابق للبدء بالموازنة المقبلة، مشدداً على ان الحكم الأساسي سيكون على أساس موازنة الـ2020 التي طالب الإسراع في اقرارها.
ويكشف هذا الوزير بحسب ما وصل إليه من معطيات ومعلومات عن لقاءات الموفد الفرنسي ان دوكان أبدى امام من التقاهم عدم الرضى على طريقة التذاكي التي لا تؤدي إلى مكان بعيد، لأننا والكلام لدوكان لا نلعب دوراً دبلوماسياً أو سياسياً بل نقوم بجهود من أجل الدولة اللبنانية والشعب اللبناني.
ويؤكد الوزير المذكور انه في ضوء تقرير دوكان لحكومة بلاده بعد عودته إلى باريس، سيتقرر مصير زيارتين فرنسيتين مهمتين إلى لبنان: الأولى زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت في تشرين الأوّل المقبل، وزيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قبل نهاية العام الحالي، ولكن موعد ماكرون لزيارة لبنان لم يُحدّد بعد بشكل نهائي، وهاتين الزيارتين مرتبطتين بموقف الحكومة اللبنانية من الإصلاحات ومدى نجاحها في تحقيقها.
وبحسب معلومات الوزير السابق فإن المبعوث الفرنسي أبلغ المسؤولين خلال لقاءاته ان أي إصلاحات وتدابير مالية واقتصادية تتطلب ان يسبقها وفاق سياسي داخلي لحمايتها وتعبيد الطريق امام تنفيذها والاستفادة من مفاعيلها، وإلا يبقى كل اجراء أو تدبير هشاً، ناصحاً المسؤولين الإسراع في تنفيذ ما اتفق عليه والعمل على إقرار الموازنة المقبلة في مواعيدها الدستورية لأن ذلك يعطي انطباعاً جيداً عن مدى التزام الدولة اللبنانية بما هو مطلوب منها من إصلاحات في سبيل تقديم يد العون لها للخروج من ازماتها الاقتصادية والمالية.