كتب فراس الشوفي في صحيفة “الاخبار”:
نجح اجتماع «الصلحة» في بعبدا (9 آب 2019)، بإشاحة الأضواء عن حادثة قبرشمون (30 حزيران)، وتخفيف التوتّر الظاهر بين النائب السابق وليد جنبلاط والنائب طلال أرسلان. وجاءت التطورات السياسية والاقتصادية اللاحقة، لتترك مسافة بين نشرات الأخبار والواقع الأمني المأزوم في الساحة الدرزية. ذلك أن لعبة الدم، التي فُتحت في المرحلة الأخيرة، وانفجرت في حادثة الشويفات الأولى (8 أيار 2018)، ثم بإطلاق النار على موكب الوزير صالح الغريب واستشهاد مرافقيه قرب قبرشمون، والإشكال الذي حصل أمس في الشويفات، تهدّد السلم الأهلي في الجبل ولبنان، الآن وفي المستقبل، بما أن كل حادثة تؤسس لأخرى، وبما أن القوى السياسية تتعامل مع الأوضاع الأمنية بصورة سريالية.
إشكال أمس لا يحمل معنىً إلا تعاظم «الغلّ» بين الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديموقراطي اللبناني. رواية الطرفين للحادثة، كالعادة، متناقضة تماماً. واحدة للديموقراطي عن تحرّش من قبل وكيل داخلية الشويفات في الحزب الاشتراكي مروان أبي فرج، بفهد عزام من الحزب الديموقراطي، ثم تبادل لإطلاق النار في الهواء. وأخرى للاشتراكي، عن اعتراض عزام طريق أبي فرج، وإطلاقه النار عليه ونجاته. الحادثة مرّت على خير (هذه المرّة)، لكنّها مشهد قصير في سياق عام.
لعلّ وصول الاحتقان السياسي والتطورات الإقليمية، وأزمات جنبلاط الداخلية، وسعي أرسلان إلى تثبيت معادلة جديدة في الجبل، انطلاقاً من المعادلات الإقليمية، تجعل الفوضى (المنظّمة) المسلّحة خياراً عند الطرفين في الساحة الدرزية، ثم لتُتْرَك بعدها شرارة الصدام، لأحداث تافهة.
كلام «السوق» في الجبل اليوم، هو الحديث عن السلاح والتسلح وتنظيم المجموعات، وعن «الدفاع عن الكرامة» ضد«هم»، الذين يصدف أنهم أبناء عمومة وأبناء بلدات وعائلات تعيش مع بعضها منذ مئات السنين.
وهذا الحال من الاستنفار، الخفي والظاهر في آن واحد، يشبه كثيراً العلاقة المتردية بين أرسلان وجنبلاط، بعد أن حسم الأول أن العلاقة الجيّدة مع جنبلاط لا تعود إلّا بالضرر عليه، وبعد أن قرّر الثاني التصرف بأحادية مطلقة، دفاعاً عن استئثار من المفترض أنه مهدّد، في عهد الرئيس ميشال عون.
ولعلّ أيضاً مشهد الصلحة بحدّ ذاته، وتبويس اللحى من أجل «الصورة الكبيرة» بأن البلد بأحسن حال، مع معرفة الجميع بأن المشهد ملفّق، ولا يعكس حقيقة تفكير الطرفين، أحدثا في الشارع الدرزي «بهورة» اشتراكية في القرى بعد إحساسٍ بنصر هو في الحقيقة تعادل، وغضباً أرسلانياً مع إحساس بالمظلومية، خصوصاً بعد طمس وسائل الإعلام التنازلات التي قدّمها جنبلاط بدوره قبل المصالحة.
لأجل ذلك كلّه، وعلى هامش الأسباب السياسية المعقّدة، فإن اندلاع نوعٍ من المناوشات المسلّحة بين الحين والآخر في الجبل يصبح أمراً طبيعياً، لكن الدروز ليسوا مضطّرين إلى الخضوع إليه، ولا الدولة، التي لم تبدأ بعد بالخطّة الأمنية التي اتُّفق عليها.
وبحسب المعلومات، فإن هذا الأسبوع، سيكون بداية العمل على خطّة تسليم المطلوبين والشهود من الطرفين للأجهزة الأمنية في ما خصّ حادثة قبرشمون، مع عودة القاضي مرسيل باسيل لتسلُّم الملفّ بعد رفض طلب الاشتراكي تنحيته عن القضية