كتبت مريم سيف الدين في “نداء الوطن”:
يعترف وزير الصحة جميل جبق أن مليوناً و800 ألف لبناني لا يتمتّعون بأي تغطية صحية. ما يوجب الضغط من أجل إقرار البطاقة الصحية الشاملة لجميع اللبنانيين. لكن البطاقة بحكم المؤجلة بذريعة التقشف وفق ما يؤكده المستشار الإعلامي لجبق، محمد عياد، لـ “نداء الوطن”، وهذا يعني تفاقم الأزمة الصحية، واستمرار معاناة اللبنانيين على أبواب المستشفيات، وغياب قاعدة بيانات صحية تسمح باستباق المشكلات ومعالجتها فيما تنذر نسب البطالة بتفاقم الأزمة.
في معمعة تلك الحرب الضروس على الفساد واعتماد سياسة التقشف، والدعوات إلى التضحيات، يهمل موضوع البطاقة الصحية والتي يُتوقع منها مكافحة الهدر في المجال الطبي والاستشفائي، وتخفيف الكلفة التي تدفعها الدولة والجهات الضامنة، إذ ستسمح بفتح ملف صحي خاص بكل مواطن يتضمن تاريخه الصحي بما فيه نتائج الفحوصات التي يجريها، ما يتيح اتخاذ إجراءات استباقية ووقائية، وسيلغي الحاجة إلى دخول المستشفى وتكرار الفحوصات الطبية في العديد من الحالات، الأمر الذي سيضبط عمل المستشفيات ويخفف الكلفة الصحية الملقاة على كاهل الدولة والمواطن والجهات الضامنة في آن. أما الفائدة المباشرة الأهم فتكمن في القضاء على ظاهرة إذلال المواطن قبل السماح له بدخول المستشفى، إذ ستلغي ما يسمى بالسقف المالي الذي تتذرع به المستشفيات لرفض استقبال مرضى وزارة الصحة.
11 سنة درساً
وإن نصت “ورقة بعبدا” على إقرار نظام التغطية الصحية الشاملة لجميع اللبنانبين المقيمين في لبنان بدءاً من البطاقة الصحية الموحدة، وتأمين تمويله من الموازنة قبل نهاية العام 2020، الا أنه ذُكر من باب رفع العتب، إذ لا مؤشرات جديّة حتى الآن تثبت نية المعنيين في إقرار البطاقة. ورغم كثرة الحديث عن أهميتها سابقاً، فقد تطلب عبور “البطاقة” اللجان النيابية 11 عاماً من الدراسات والمناقشات. وبشّر رئيس لجنة المال والموازنة النيابية، النائب إبراهيم كنعان، بقرب إقرارها منذ حوالى عشرة أشهر، لكنها إلى اليوم تنتظر لفتة حنان من الرئيس بري وإحالتها إلى الهيئة العامة لمجلس النواب، كي يصوِّت النواب لاقرارها. انتظار يشي باحتمال الإنتظار 11 سنة إضافية، وربما من دون أن تُقرّ. وإلى حينه يحجُّ المواطنون الكرام الى مكاتب النواب والوزراء ومنازلهم طلباً لوساطة لدى المراجع الصحية، وفي الطّلب كثير من الذل.
وعود بالجملة والمفرّق
في المحصّلة، لا جديد في مسألة البطاقة الصحية الشاملة، سوى استذكارها في محاولة للايحاء بالجدية في مكافحة الفساد والاهتمام بصحة المواطن، وهنا الكارثة. فوزير الصحة الذي جال على المستشفيات الحكومية والخاصة في عدد من المناطق مغدقاً الوعود بالجملة والمفرّق، لا يمكنه ممارسة “مونته” على هذه المستشفيات كي تتعاون معه وتساهم في بناء الأرضيّة اللازمة لإطلاق البطاقة الصحية الشاملة، بسبب تأخّر الدولة في دفع المستحقات المتوجبة عليها، بحسب كلام مستشاره. وثمة قطبة مخفية في موضوع “البطاقة” إذ أنّ اعتمادها قد يضرُّ بمصالح المستشفيات ويحدّ من تجاوزاتها ومحاولة بعضها إستغلال المرضى وحتى إدخال مرضى وهميين على حساب الضمان!.
في هذا الإطار يلفت رئيس “الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية” الدكتور بلال نصولي في مقابلة مع “نداء الوطن”، إلى أهمية البطاقة الصحية في الحد من تعريض المواطنين للأشعة. إذ ستسمح بتحديد تاريخ تعرض المريض لصور الأشعة، وستمنع الطبيب من طلب إجراء صورة إشعاعية جديدة لا لزوم لها. “فالمراكز الإشعاعية تنبت كالفطر، أصبحت “بيزنيس” يحتاج إلى زبائن جدد، ما يدفع ببعض الأطباء للطلب من المرضى إجراء صور إشعاعية لا حاجة لها بهدف الكسب المادي. ومن دون البطاقة الصحية لا يمكننا مواجهة المشكلة”، يقول نصولي.
“تسييس” البطاقة
يعزو وزير الصحة السابق، غسان حاصباني سبب تراجع الإهتمام بالمشروع الى “عدم وجود محرّك له”، كما أعلن لـ”نداء الوطن”. ويشخّص حاصباني المشكلة “بأن هناك من يريد حصر الأمور بالصندوق للضمان الاجتماعي” في إشارة إلى محاولة حصر صلاحية إدارة البطاقة بجهة سياسية معيّنة. وفيما يستخدم التمويل كذريعة تمنع إقرار البطاقة، يؤكّد حاصباني أن البطاقة توثّق الهدر وتسمح بتوفير مبالغ كافية لمعالجة عدد أكبر من المرضى.
أما رئيس لجنة الصحة النيابية، النائب عاصم عراجي، فيكرّر عبر “نداء الوطن” طلبه وتمنيه على الرئيس بري طرح مشروع البطاقة الصحية الشاملة على التصويت في الهيئة العامة لمجلس النواب في أول جلسة تشريعية. ويؤكد عراجي إصراره على العمل على إقرار البطاقة، “فالبطاقة الصحية أهم مسألة الآن، والقطاع الصحي أهم قطاع وعلى الدولة واجب تأمين التغطية الصحية خصوصاً في الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان”. ولا تبدو ذريعة التقشف وعدم توافر الأموال اللازمة لإطلاق المشروع مقنعة لعراجي وإنما يرى أن الصراع يدور حول تحديد الجهة التي ستتولى إدارتها، “فعدم إقرار البطاقة يكلف الجهات الضامنة مبالغ طائلة، وفي إقرارها مقدمةٌ لتوحيد الجهات الضامنة، كي لا تستمر بدفع بدل مختلف عن الذي تدفعه الجهات الأخرى لقاء الخدمة ذاتها”. ويعلن عراجي أنه سيتقدم بمشروع قانون إلى المجلس النيابي لفرض ضريبة على جميع أنواع التبغ والتنباك المستورد يستوفى لصالح وزارة الصحة العامة من أجل تمويل مشروع البطاقة. وحتى هذا الاقتراح لم يقنع مسؤولين آخرين وفق عراجي، بل راحوا يتذرعون بأنه يشجع على تهريب التبغ وغيرها من الحجج. هي ذريعة يتناسونها عندما يفرضون ضرائب على الواردات المفيدة لصحة المواطن!
وإلى ذلك، يدرك عراجي ما يقلق المواطنين غير المضمونين في غياب أي بديل عن خدمات وزارة الصحة “فالمستشفيات تتوقف عن استقبال مرضى الوزارة بعد اليوم العاشر من كل شهر بذريعة عدم تخطي الأسقف المالية المحددة، وهناك مرضى ينتظرون بداية الشهر للدخول إلى المستشفى. وهي حالات باتت معروفة من كل النواب”. ويكشف عراجي أن “قسماً من السياسيين لا يريد إقرار البطاقة، ربما لأنه يفضّل أن يكون المرجع الذي يلجأ إليه المريض لتسهيل دخوله إلى المستشفى”.