كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:
أصبح موسم المدارس على الأبواب، وبدأت وتيرة الحياة تختلف لدى الكثيرين، من تلاميذ وأهل وأساتذة. وما زالت هذه الحقبة من كل سنة تحافظ على رهبتها بالرغم من أنّها تتكرّر وبشكل روتيني لما لا يقل عن 15 سنة في حياة كل طالب، قبل بلوغه المستوى الجامعي؛ هذا، إذا لم يتخط تلك الفترة بسبب عدم النجاح بواحد من صفوفه، أو لأسباب خارجة عن إرادته كالمرض أو السفر…
«تبدّل التاريخ لكن شعوري عند اقتراب العام الدراسي هو هو، لم يتغيّر، باستثناء فارق أساسي وهو أنني منذ 40 عاماً كنت أعيش التجربة كتلميذة، بينما أنا الآن أم لثلاثة طلاب؛ والغريب في الموضوع هو أنني ما زلت أشعر بعدم القدرة على النوم ليلة اليوم الأول لذهاب أولادي إلى المدرسة، كما أنني لا أشعر بالراحة إذا لم أحضّر الكتب والملابس وكل المستلزمات قبل أسبوعين أو أكثر، كما في الماضي البعيد»، تقول رندلى بحماس وشغف.
لماذا القلق قبل الذهاب إلى المدرسة في كل عام؟ لماذا لا يحب التلاميذ هذه الفترة؟ هل الأهل هم السبب في ذلك؟ هل رهبة هذه المرحلة صحية بالنسبة للأطفال والمراهقين؟ ما هو الدور الإيجابي للأهل والأساتذة؟ كيف نحوّل الذهاب إلى المدرسة إلى متعة؟
يتلقى التلامذة التعليم والشهادات نتيجة لذهابهم إلى المدارس، ويمنح الأساتذة المعرفة من خلال القيام بعملهم، ويكسبون بذلك عيشهم، مع الإعتراف بالشق الإنساني لهذا العمل؛ أما الآباء والأمهات فيشكّلون الطرف الثالث لعملية التعلّم، فهم يهتمون بتنظيم حياة الأطفال والمراهقين، يحضّرونهم للقيام بهذه المهمة على الصعيد النفسي والإقتصادي والإجتماعي، ويلعبون دور صلة الوصل بين إدارة المدرسة والأساتذة من جهة، وأولادهم من جهة أخرى، وكل الهدف في ذلك هو مصلحة الأبناء من خلال التعليم، ألا وهي النجاح والحصول على أعلى المراكز والوظائف في المستقبل.
يهتم الأهل عادة بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة كي تمرّ السنة الدراسية على أبنائهم بنجاح، فيصبرون على تمرّدهم حيناً، وضعفهم وتعبهم حيناً آخر، يسهرون ليالي طويلة في فترة الإمتحانات لتشجيعهم ومساعدتهم، والهدف وحيد أوحد: النجاح. فمهمة الأهل في ما يتعلق بتعليم الأبناء ليست سهلة، إذ يجعلون كل ما يتعلق بذلك أولوية، تاركين جانباً التسلية والمرح لأوقات أخرى.
إنها لمهمة شاقة فعلاً أن يؤمّن الأهل الأقساط المدرسية، بالإضافة إلى الحاجات والمستلزمات الأخرى، «أول شي بشيل قسط المدرسة، مليون ليرة بالشهر، قبل الأكل حتى، وبالصيفية كنا عم ندفع تا نسكّر اللي انكسرنا علين، أهم من السفر وتغيير السيارة، تعليم الولاد أهم»، يقول مارسيل، الأب لثلاثة أولاد.
أما بيار، الذي رُزق بطفلة، وينتظر ولادة زوجته الحامل بتوأم فيقول: «عا أستراليا أكيد، كيف بدو واحد يعلّم تلات ولاد بهيدا البلد؟»، وهو يتحضّر عملياً للهجرة بشكل نهائي.
إن تضحيات الأهل وعطاءاتهم المعنوية والمادية غير محدودة، إلّا أنّهم يبالغون أحياناً فيذهب تعبهم سدى. فالقلق الزائد الذي يشعرون به قد ينتقل إلى الأبناء، فتترافق فترات الدراسة بالتوتر والخوف، ما يخفف القدرة على الإستيعاب والحفظ والتركيز. كما أنّهم يبالغون أحياناً بتدريس الأبناء لساعات طويلة، غير متيقظين الى أنّ الطفل قد أمضى ساعات طويلة في المدرسة ويحتاج بعدها للترفيه والراحة. ولعصبية الأهل في التعاطي «من أجل مصلحتهم» لا يجدي نفعاً، فمن الأفضل السيطرة على الذات، والقبول بقدرة كل ولد.
ويخلط الأهل غالباً بين تجربتهم الشخصية وتلك التي تتعلق بالأبناء، وهنا لا بدّ من الفصل، والتذكّر بالسماح لصغارنا أن يعيشوا اختباراتهم الخاصة، وفي هذا السياق لا داعي للتوتر قبل الذهاب إلى المدرسة، بل بالعكس، لنجعل من هذه الفترة مناسبة للتقارب والدعم والوعي.
كما أنّ معظم الأهل يعيشون فترة بدء السنة الدراسية وكأنه استثناء، أما الإستثناء الفعلي، فهو العطلة الصيفية، وتشكّل الدراسة روتين الحياة الطبيعي والبديهي، وبالتالي ليس علينا أن نحرم الأطفال من التسلية في العطلة من خلال المبالغة في تحضير التمارين للسنة القادمة، كذلك الأمر بالنسبة للعطل خلال السنة الدراسية.
«لازم ينجح تا يعوض علينا المبالغ اللي عم ندفعا للمدرسة»، تقول فيرا عن ابنها، الذي بالرغم من إرساله إلى مركز لمساعدته في دروسه، لا يحصل على علامات تسمح له بالنجاح. من هنا، لا بدّ للأهل من الحوار مع الأبناء، من التحلّي بالقدرة على فهم سبب عدم قدرتهم على الحصول على نتائج مرضية، إذ قد يكون مرتبطاً بمشكلات أُسرية أو زوجية، كما قد يكون بسبب غيابهم، وعدم الوجود النوعي في البيت. كما قد يفشل الأبناء دراسياً بسبب توقعات الأهل الكثيرة منهم، ما يُشعرهم بالعجز وعدم القدرة على إرضائهم، والشعور بالذنب والإحباط.
فلا تتسببوا بالضغط لنفسي لأبنائكم وبناتكم. إرسموا ابتسامة على وجوه أبنائكم في موسم العودة إلى المدرسة، فهذا سوف يتكرر في كل سنة من حياتهم، ساعدوهم في تنظيم حياتهم، من نوم وطعام ودرس، لكن لا تحرموهم من التسلية، بعيداً من الهواتف والأدوات الإلكترونية، وأكثروا من الحب والتجمعات العائلية.