كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
تشهد المنطقة تغيّرات على صعيد اللعبة الإقليمية الكبرى، إذ إنّ غارة دمشق وقتل عنصرين من “حزب الله” ومن ثمّ حادثة سقوط الطائرتين المسيّرتين في الضاحية الجنوبية لبيروت، تركت آثارها على تطوّرات اللعبة.
لا يمكن للبنان أن يعيش خارج الشرعية الدوليّة، خصوصاً انه بلد ضعيف ودولته بحاجة إلى دعم المجتمع الدولي، وما التمديد لقوات “اليونيفيل” الأسبوع الماضي لمدّة سنة، إلاّ حلقة من استمرار هذه الرعاية التي يحتاجها بلد الأرز.
وفي سياق تطوّر الأوضاع، فإن الحدود الجنوبية بقيت هادئة على رغم ردّ “حزب الله” غير المفاجئ، وقصف إسرائيل لأطراف بلدة مارون الراس بشكل محدود. ولا يمكن الحديث عن تغيّرات جديدة في الصراع بين تل أبيب والضاحية الجنوبية، لأن اللعبة لا تزال مضبوطة وغير خاضعة لشروط جديدة، علماً أن الفريقين، أي “الحزب” وإسرائيل، يريدان الحفاظ على ماء الوجه أمام قواعدهما الشعبيّة.
ولا يمكن لأحد إنكار الجهد الكبير الذي قام به رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري من أجل تخفيف تداعيات الضربة، خصوصاً مع الولايات المتحدة وروسيا.
وعلى خط جهود موسكو لحماية لبنان من لعبة “تكسير الروس” بين واشنطن وطهران، واستطراداً بين إسرائيل و”حزب الله”، تؤكّد مصادر دبلوماسيّة مطّلعة على الموقف الروسي لـ”نداء الوطن” أن روسيا لعبت دوراً أساسياً في الأسابيع الأخيرة لملاحقة التطوّرات في لبنان وسوريا”. وتشير إلى أن “موسكو قامت باتصالات سريعة بعد ضربة “حزب الله” مع المسؤولين في تل أبيب، وطلبت عدم التصعيد وإبقاء الستاتيكو القائم على ما هو عليه”. ونجحت روسيا، بحسب المصادر، في احتواء الوضع، وهي نسّقت هذا الأمر مع الجانب اللبناني ومع إسرائيل، “خصوصاً أن أي أزمة أو حرب جديدة يمكن أن تُشعل الأجواء في كل منطقة الشرق الأوسط”.
وتوضح المصادر أن “كُلاً من الولايات المتحدة الاميركيّة وروسيا لا تريدان في هذا الظرف إندلاع مواجهة شاملة بين إسرائيل و”حزب الله”، لأن نيران هذه الحرب لن تبقى محصورة في الحدود الجنوبيّة بل ستمتدّ إلى سوريا وكل المنطقة”.
ويأتي حرص موسكو وواشنطن على عدم اندلاع حرب جديدة نظراً إلى أن الجنود الأميركيين والروس موجودون في سوريا، وأي حرب جديدة ستؤثّر على هذه القوات.
وتعتبر العلاقات الروسيّة – اللبنانية إستراتيجية، وعلى رغم وجود موسكو في سوريا وإنقاذها لنظام الرئيس بشّار الأسد من السقوط، إلاّ أن هذا الامر لم يمنعها من أن تكون على علاقة جيّدة مع جميع الأفرقاء وعلى رأسهم قوى “14 آذار”، فرئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع يطالب مراراً وتكراراً بمساعدة روسيا لحل قضية النازحين السوريين، معبّراً عن ثقته بأن روسيا ضمانة لأي حلّ، وهذا ما قاله في قدّاس شهداء “المقاومة اللبنانية” أخيراً، أما رئيس الحزب “التقدّمي الإشتراكي” وليد جنبلاط فينسج أهم علاقة مع موسكو، ونجله النائب تيمور جنبلاط زارها مرّات عدّة، وقد قيل سابقاً بعد أحداث قبرشمون إنّ موسكو ترفض عزل جنبلاط وقد تدخّلت لأجل هذا الأمر.
أما الرئيس الحريري، فقد ورث العلاقة الجيدة مع موسكو من والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما الزيارات المتكرّرة التي يقوم بها إلى موسكو ولقاءاته مع الرئيس فلاديمير بوتين إلا دليل واضح على قوّة هذه العلاقات.
وفي السياق، فإن اتصالات الحريري مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومع القيادة الروسيّة مستمرة لمتابعة الأوضاع الجنوبيّة وكل ما يحيط بالصراع مع إسرائيل، ومن الممكن أن يزور الحريري موسكو في وقت قريب.
ويعلم الجميع أنه إذا كانت الأحداث الأخيرة على الحدود الجنوبيّة قد انتهت بعد ردّ “حزب الله”، إلا أنّ النار لا تزال تحت الرماد، وأي تطوّر سلبي بإمكانه إشعال الجبهات مجدداً.
ويكثّف الحريري اتصالاته مع عواصم القرار أيضاً من أجل الحفاظ على أمن لبنان واستقراره، وعدم الإنجرار إلى حرب مدمّرة شبيهة بحرب تموز، في حين أن موسكو هي بدورها تُبدي حرصها على هذا الأمر، ولا تريد للبنان أن ينجرّ إلى مواجهات جديدة خصوصاً أن شركاتها النفطية ستدخل في مجال التنقيب عن الغاز والنفط في البحر اللبناني.