كتب غاصب المختار في صحيفة “اللواء”:
حمل لقاء رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ورئيس كتلة «اللقاء الديموقراطي» النائب تيمور جنبلاط الجمعة الماضي، وبعده اللقاء القيادي يوم السبت، بين «حزب الله» والحزب التقدمي الاشتراكي في عين التينة برعاية وحضور الرئيس نبيه بري، مؤشرات مهمة سياسية وحكومية على تفاهمات بين قوى سياسية اساسية مؤثرة في صنع القرار وتنفيذه على كل المستويات، ومن شأنها اراحة الحكم والحكومة والرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، ما لم تحصل مناكفات من اطراف اخرى متضررة من هذه التفاهمات، اومعترضة على طريقة مقاربة الملفات الحكومية.
لقاء اللقلوق بين باسيل وتيمور جنبلاط، الذي جرى بدعوة من باسيل، وحضره عضو كتلة لبنان القوي النائب سيزار ابي خليل، اسفر عن تجاوز ازمة جريمة البساتين قبل ثلاثة اشهر، بالتوافق على وضعها بيد القضاء وعدم التدخل السياسي في مساره، لكن الاهم – حسب مصادر المجتمعين – انه تناول كل الملفات بصراحة وشفافية وعبّركل طرف عن وجهة نظره حيالها، واسهم في التوافق على شراكة سياسية – وانمائية في الجبل، حيث يتواجد الطرفان نيابيا ويتمثلان حكوميا، ما يعني ان الطرفين توافقاعلى تكريس تهدئة مستدامة تريح منطقة التواجد الشعبي المشترك، وتقدم لها مشاريع إنمائية بدفع من الطرفين، سواء في المجلس النيابي او في الحكومة.
وعلى خط موازٍ كان لقاء عين التينة السبت يصب في السياق ذاته، بتكريس حالة تهدئة دائمة بين «حزب الله» والحز ب الاشتراكي، وقد طرح الرئيس بري – حسب مصادر المجتمعين- كل الملفات الخلافية واقترح حلولا لها، بحيث إتُفِقَ على ان تبقى معالجة مشكلتي كسّارة عين دارة وجريمة البساتين ضمن المسار القضائي، وإعادة تنظيم الخلاف بين الطرفين حول الملفات الاقليمية الخلافية، لا سيما حول سوريا، مع بقاء كل طرف على وجهة نظره، لكن ضمن حدود معالجة اي اشكالية بالحوار.
وعلى هذا الاساس تقرر ان تُستأنف الاجتماعات بين الطرفين على مستوى قيادي، الى حين توافر الظروف لعقد لقاء بين الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله وبين رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط.
بالمحصلة السياسية، تكمن اهمية ماحصل، في ان تفاهمات عين التينة واللقلوق تؤسس لمرحلة الخروج من الأزمة السياسية القائمة على انعدام التواصل من جهة، وانعدام وجود رؤية موحدة للقوى الاساسية لكيفية مقاربة الاوضاع الصعبة القائمة، واذا استمر هذا النمط من التشاور والتوافق على خطوات عملية تنفيذية تتم ترجمتها في البرلمان والحكومة، ولو «بالقطعة» وحسب كل ملف،فإن قطار الحلول سينطلق بزخم.
وفي التقييم السياسي لماجرى، وبعيدا عن حسابات الربح والخسارة، فإن وليد جنبلاط كرّس نفسه بالمعادلة السياسية عنصرا بارزا لا يتخطاه احد، وذلك بإرسائه تفاهمات مع القوى الاساسية، كالرئيس بري و«التيار الحر» و«حزب الله»، اضافة الى تحالفه الثابت مع «القوات اللبنانية»، وهو ما اكده التقدمي و«القوات». وكذلك ارسى «التيار الحر» معادلة وجوده في الجبل كقوة سياسية نيابية وشعبية لا يمكن بعد الان تجاوزها، وهو امر من المفترض ان تتم ترجمته عبر استكمال الوزير باسيل جولته في الجبل التي لم تتم فصولا في حزيران الماضي نتيجة جريمة البساتين، وذلك بعد عودته من جولته الاوروبية، والتي تشمل برلين ولندن، والاميركية التي تشمل واشنطن ونيويورك وعشر ولايات تقريبا.
اما «القوات» فيبدو انها تضع نفسها خارج اي تفاهم ثابت، وتتمايز من ضمن النظام لحسابات سياسية وشعبية واجرائية تخصها، برغم استمرار تحالفها مع جنبلاط، لكن للاخير حسابات تتجاوز تحالفه مع «القوات»، كما «للقوات» حساباتها.
لكن «القوات» لم تقطع ايضا الخيط مع الرئيس بري، مع ان العلاقة لم تصل الى مستوى تحالف سياسي، ولكنها على نقيض كبير سياسيا مع «حزب الله» تحت عنوان ومفهوم «السيادة وسلطة الدولة وقرار السلم والحرب»، ومع «التيار الحر» تحت عنوان ومفهوم «المشاركة في القرار المسيحي». عدا عن علاقتها غير السوية مع «تيار المردة» وقوى سياسية اخرى. والسؤال هنا: الى اين يمكن ان تؤدي سياسة «القوات» بالتمايز عن الاخرين، وهل تستمر في شهر العسل مع جنبلاط اذا اعاد تنظيم العلاقة مع «حزب الله» على نحو أعمق واشمل؟