أكثر من 24 ساعة مرت على خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمس في ذكرى عاشوراء، من دون أن يصدر اي رد رسمي على ما جاء في كلمته من مواقف عالية السقف، بدا فيها يتجاوز الحكومة والدولة ويختزل قرارهما السيادي في ملفات حساسة مصيرية كبيرة، وفق ما تقول مصادر سياسية سيادية لـ”المركزية”. فهو نسف سياسة “النأي بالنفس” من جذورها، وبدا يؤكد لمن يعنيهم الامر في الداخل والخارج، أن لبنان جزء لا يتجزأ من الصراع الدائر في المنطقة وأنه في تصرّف ايران متى دعت الحاجة، وإن كان أعلن في المقابل تمسّكا “مشروطا” بالقرار 1701. نصرالله قال بالمباشر ومن دون قفازات “نحن نكرر موقفنا. كجزء من محور المقاومة، نحن لسنا على الحياد، ولن نكون على الحياد في معركة الحق والباطل، وفي معركة الحسين ويزيد. والذين يظنون أن الحرب المفترضة إن حصلت ستشكل نهاية محور المقاومة، أقول لهم بقوة وثبات وصدق وإخلاص وعزم وتضحيات هذا المحور، هذه الحرب المفترضة ستشكل نهاية إسرائيل، وستشكل نهاية الهيمنة والوجود الأميركي في منطقتنا، هذا المحور، هذا المخيم، هذا المعسكر الذي يقف على رأسه سماحة الإمام القائد السيد الخامنئي دام ظله الشريف”. وتابع “نحن هنا من لبنان نقول للعالم كله إن إمامنا وقائدنا وسيدنا وعزيزنا وحسيننا في هذا الزمان هو سماحة آية الله العظمى الإمام السيد علي الحسيني الخامنئي دام ظله، وإن الجمهورية الإسلامية في إيران هي قلب المحور، وهي مركزه الأساسي، وهي داعمه الأقوى، وهي عنوانه وعنفوانه وقوته وحقيقته وجوهره”.
الصمت الذي أعقب مواقف نصرالله “ثقيل”، بحسب المصادر، اذ يوحي بأن الدولة إما موافقة على ما قاله، أو انها سلّمت بأمر واقع “فائض قوة” “الحزب” وبعجزها عن ضبط الضاحية وتحركاتها وتوجهاتها. لكن عدم مسارعة اركان الحكم الى توضيح تموضعهم واعلان تمايزهم عن نصرالله لا سيما لناحية التزام سياسة النأي بالنفس، يتخذ أبعادا مضاعفة اليوم، خاصة انه يأتي عشية توجه الوفد اللبناني الرسمي برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى نيويورك للمشاركة في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة نهاية الجاري.
فللمفارقة، تتابع المصادر، يحمل الرئيس عون في جعبته، مشروع تحويل لبنان الى “مركز دولي لحوار الحضارات”، والذي سيعيد طرحه هذا العام، في المنظمة الدولية، علّها تتبناه. والسؤال الذي يفرض نفسه تلقائيا “كيف يمكن تسويق هذه الصورة الجميلة عن لبنان لدى العالم، في ظل قرع فريق لبناني مسلّح طبولَ الحرب عاليا منذ أشهر، وتأكيده على الملأ ان لبنان في قلب محور المقاومة والممانعة، الذي يعتبره جزء كبير من المجتمع الدولي “محورا للشر والارهاب”؟
والأخطر، بحسب المصادر، هو ان كل ذلك يحصل وسط غياب رسمي تام. فالقيادات اللبنانية تبدو تتفرّج على ما يجري، وهي لم تبادر حتى الى إنشاء طاولة “حوار” للبحث في استراتيجية دفاعية لاستيعاب السلاح المتفلّت – ولو لـ”الصورة” – علما ان الرئيس عون ورئيس الحكومة سعد الحريري كانا تعهدا بذلك للمجتمع الدولي، قبل ان يعلن الاول منذ اسابيع ان ظروف هذه الاستراتيجية “تبدّلت”. فبعد سرد هذه المعطيات والوقائع كلّها، ألا يبدو فعلا ان لبنان انضمّ، عنوة او طوعا، الى محور الممانعة؟ وهل يمكن تاليا، ان يلعب دورَ الجسر بين الحضارات والثقافات وهمزة َالوصل بين المتصارعين اقليميا ودوليا؟ وأبعد، هل يحصل على المساعدات التي أفردها له أصدقاؤه في العالم، اقتصاديا وماليا وعسكريا(…) بعد ان نكث بتعهّداته ووعوده اكان سياسيا واستراتيجيا او إصلاحيا؟