كشفت أوساط سياسية مطلعة لبنانية أن التوتر الذي شهدته الحدود اللبنانية الإسرائيلية وكثرة الحديث عن احتمال نشوب حرب كبرى، لا ينفصلان عن مساعي حزب الله للدخول على خط المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة لإيجاد تسوية لترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل.
ودعا الرئيس اللبناني ميشال عون، الثلثاء، واشنطن لاستئناف وساطتها بشأن ترسيم الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل، في وقت يستعد لبنان لبدء التنقيب عن النفط والغاز في مياهه الإقليمية.
والتقى عون، الثلثاء، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر الذي بدأ، الاثنين، زيارة إلى لبنان تستمر يومين ضمن جولة في المنطقة.
وتعتبر الزيارة التي يقوم بها شينكر مفصلية داخل ملف الحدود الإسرائيلية اللبنانية.
وتمثل مسألة ترسيم الحدود مطلبا دوليا لاسيما من قبل الدول المنخرطة في مسألة استغلال الغاز في شرق المتوسط، مثل مصر وقبرص واليونان وتركيا وروسيا وإسرائيل. وأثيرت هذه المسألة مع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن.
ويصر لبنان على تلازم مساري ترسيم الحدود البرية والبحرية. وقد تم الاتفاق في وقت سابق على إجراء المفاوضات في مقر قيادة اليونيفيل (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان) وبإشراف أميركي. إلا أن الوساطة توقفت مع مغادرة الوسيط السابق ديفيد ساترفيلد مهامه.
ويؤكد خبراء في الشؤون الإسرائيلية أن إسرائيل تعتبر أن أنشطة التنقيب في الآبار الواقعة داخل مياهها، لاسيما تلك المحاذية للمياه اللبنانية، لا يمكن أن تغري شركات التنقيب الدولية إلا إذا تمت إزالة الخطر الذي يتهددها من قبل حزب الله.
ويضيف هؤلاء أن إعادة إسرائيل إثارة مسألة حيازة حزب الله على صواريخ دقيقة، وتقديمها أدلة على وجود مصانع للحزب لتصنيعها، يتجاوز مسألة استغلال الأمر داخل حملة نتنياهو في الانتخابات التشريعية التي تجري في 17 من الشهر الجاري، وأن الأمر بات يتعلق مباشرة بصناعة الطاقة في إسرائيل كما بالتسوية التي سترسو عليها مسألة النزاع الحدودي مع لبنان.
وتقول مصادر لبنانية مراقبة إن حزب الله ومن ورائه إيران يسعى لاستغلال هذا النزاع بكونه ورقة ابتزاز تستطيع طهران استخدامها في مواجهتها للمجتمع الدولي وللدول المعنية بهذا الملف.
وتضيف أن الإصرار على إمساك نبيه بري، رئيس مجلس النواب وحليف الحزب، بملف التفاوض في شأن النزاع الحدودي هدفه عدم ذهاب لبنان إلى أي اتفاق من دون موافقة الحزب.
وحذر الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في خطاب لمناسبة ذكرى عاشوراء، الثلاثاء، من التفاوض مع “مندوب أميركي صديق لإسرائيل وحريص على مصالحها”.
وقال إن على “اللبنانيين أن يتصرفوا من موقع أنهم القوي القادر على حماية النفط والغاز”.
ولا يستبعد خبراء في الشؤون العسكرية نشوب حرب كبرى بين إسرائيل وحزب الله هدفها خلق قواعد جديدة وتعويم توازنات أخرى تضع أسسا لكيفية استغلال وتطوير عمليات التنقيب عن الغاز في مياه المنطقة.
ويضيف هؤلاء الخبراء أن التصعيد الذي طرأ مؤخرا في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين ومواقف حسن نصرالله ترفع من منسوب نشوب هذه الحرب.
وقال نبيه بري، الثلثاء، إن بلاده حريصة على الاستقرار وعدم الانجرار إلى حرب.
جاء ذلك خلال لقاء مع شينكر الذي بدأ، الاثنين، زيارة لمدة يومين إلى لبنان.
وقال بري في بيان صادر عقب اللقاء إن “لبنان ملتزم بالقرارات الدولية لاسيما القرار 1701، والعدو الإسرائيلي مسؤول عن الخروقات وضرب الاستقرار الذي كان قائما منذ عام 2006”.
والقرار 1701 تبناه مجلس الأمن الدولي بالإجماع في 11 أغسطس 2006، ويدعو إلى وقف كامل العمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل إثر اندلاع مواجهات بين الطرفين في يوليو من العام نفسه.
وترى مصادر دبلوماسية غربية أن مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل كما مسألة التنقيب عن الغاز في مياه المنطقة باتت جزءا من الملفات التي يفترض أن تكون على طاولة أي مفاوضات محتملة بين واشنطن وطهران.
وتعتبر أن هذا الأمر بات يعقّد هذا الملف ويجعله عصيا على الحلّ على المستوى الثنائي بين لبنان وإسرائيل دون أن تكون لإيران الكلمة الفصل.
ويستعد لبنان لبدء التنقيب عن النفط والغاز في رقعتين في مياهه الإقليمية، رغم التوتر القائم مع إسرائيل على خلفية جزء متنازع عليه في الرقعة المعروفة بالرقم 9. ومن المفترض أن يبدأ الحفر في الرقعة رقم 4 منتصف ديسمبر، على أن يليه البلوك رقم 9 بعد أشهر.
ووقعت الحكومة اللبنانية العام الماضي للمرة الأولى عقودا مع ثلاث شركات دولية هي “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في هاتين الرقعتين. ولن يشمل التنقيب الجزء المتنازع عليه.
وأطلق لبنان العام الحالي دورة التراخيص الثانية في خمسة بلوكات.
وتتخوف أوساط حكومية لبنانية من أن قرار رد حزب الله على ضربات إسرائيلية وجهت إلى موقع للحزب في سوريا، يكشف عن تفاهمات دولية تمنع نشوب حرب كبرى في سوريا وغياب هذه التفاهمات في لبنان.
وتضيف أن تعقد المخارج الدبلوماسية سواء تلك المتعلقة بالصراع الأميركي الإيراني، أو ذلك المتعلق بالنزاع اللبناني الإسرائيلي حول مسألة الطاقة والحدود، قد تستدرج حاجة لصدام عسكري محدود من خلال الساحة اللبنانية.