قد تكون مجرد صدفة زمنية تقف وراء تزامن زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، والخطاب الناري الذي ألقاه الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله في ذكرى عاشوراء، مطيحا سيادة الدولة اللبنانية والتزاماتها الدولية. على أي حال، وأبعد من الصدفة الزمنية في ذاتها، فإنها تبدو مهمة، من حيث كونها أعطت جولة شينكر، التي أريد لها أن تكون استطلاعية، بعدا مزدوجا، في ضوء السياسة الأميركية التي تسير بهديها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
لا خلاف على أن الرئيس الأميركي الذي يصح وصفه بالـ “أغرب” في التاريخ الحديث نجح في تكريس أمن اسرائيل والمواجهة المفتوحة ضمن ايران وأذرعها في المنطفة، ثابتتين لا تبدلهما أي تغيرات دولية.
وإذا ما قوربت لقاءات شينكر من هذا المنظار، فإنها تبدو مناسبة بشد العصب السياسي السيادي في مواجهة حزب الله وما يعتبره المجتمع الدولي “قبضا على قرار السلم والحرب”، وهو الحق الذي من المفترض أن تمارسه الدولة حصرا، واستنكار الصمت الرسمي إزاء مواقف نصرالله، الذي لم يتردد في تحديد الاطار العام الذي تتجه إليه المواجهة مع اسرائيل، من دون أن يفوت على نفسه فرصة إطلاق رصاصة الرحمة على “الخطوط الحمر” التي كان القرار 1701، قد أرساها بعد حرب تموز.
وفي السياق، أكدت مصادر متابعة لجولة شينكر عبر “المركزية” “أن الديبلوماسي الأميركي الذي يعرف لبنان وملفاته الشائكة عن ظهر قلب، لم يخف امتعاض بلاده إزاء الصمت الرسمي تجاه الاجهاز المركز من جانب الحزب على مقومات الدولة، خصوصا في ما يتعلق بالقرارات السيادية”، ومشددا على “ضرورة إعطاء لبنان الرسمي إشارات واضحة إلى التزامه المسار الاصلاحي الذي يبدأ بالموازنة العامة المنتظرة لـ 2020، ولا ينتهي عند وضع الخطط اللازمة والجدية لضبط الحدود، التي تؤكد واشنطن على عدم جواز بقائها سائبة، مع ما يعنيه ذلك لجهة تحولها ممرات خطرة لتهريب السلاح من وإلى لبنان”.
وتكشف المصادر أيضا أن شينكر الذي يبدو متيقنا حجم ومخاطر كرة النار التي قذفها إليه سلفه، سفير الولايات المتحدة في أنقرة، ديفيد ساترفيلد، أكد أمام المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم من معسكري الموالاة والمعارضة، أنه لا يزال ينتظر الاجابات التي فشل سلفه في الحصول عليها”، مشددة على أن “من أهم ما في جولة الموفد الأميركي الجديد، يكمن في أنه وضع الاطار العام لعملية التفاوض المنتظرة بين لبنان واسرائيل، مطمئنا إلى أن تل أبيب غير مستعدة الآن لخوض نزاع عسكري مع حزب الله، في وقت يبدو الشرق الأوسط يعد العدة لإرساء ما يسميها المراقبون “التسوية الكبيرة”، التي من شأنها أن ترسم قواعد النزاع السياسي الجديدة”.
وفي الانتظار، تعرب المصادر عن اعتقادها بأن هذه الصورة المريحة نسبيا حتى اللحظة على الأقل، لا يجوز أن تسقط من حسابات الجميع احتمالات العودة إلى قرع طبول الحرب بشكل جدي، وهو ما قد يكون دفع بشينكر إلى طرح تساؤلات حول امتلاك حزب الله مصانع للصواريخ الدقيقة، على اعتبار أن تل أبيب ترى في ذلك تهديدا صريحا لأمنها، وتوسعا خطرا للوجود الايراني في المنطقة، أي أنها ستجد ذريعة سهلة لضرب لبنان. غير أن “المركزية” علمت في هذا السياق أن الموفد الأميركي جوبه بموقف لبناني رسمي مفاده أن لا إمكانات لدى بيروت لكشف أسلحة كالصواريخ الدقيقة، على عكس اسرائيل التي، وبدعم أميركي مطلق وواضح، تستطيع تغيير موازين القوى تبعا لأهوائها ومصالحها”.
على أي حال، فإن المصادر تختم مؤكدة أن في كل هذه الصورة السلبية نقطة ايجابية يمكن البناء عليها للمرحلة المقبلة التي يطلقها شينكر بعودته إلى بيروت في 14 تشرين الأول المقبل. ذلك أنه سيتابع المهمة “النفطية” انطلاقا من النقطة التي توقف عندها ساترفيلد، ما يعني أن الأمور تسير ايجابا، وإن كان ذلك يفترض اجتماعا بين الرؤساء الثلاثة قبل عودة المبعوث الأميركي، لوضع النقاط على الموقف اللبناني الرسمي.