كتبت ساسيليا دومط في “الجمهورية”:
«نعيش على أمل أن يتحسّن الوضع المعيشي، فالديون تتزايد شهراً بعد شهر، وينخفض معها مستوى الراحة والأمان لدينا، وكيف نشعر بذلك ونحن نخاف من الغد لأنه يحمل المزيد من المصاريف، مع أننا نحرم أنفسنا من وسائل الراحة والإستجمام كافة، «لا سفر ولا سهر ولا حتى نوادي أو مشاريع مع العائلة والأصدقاء»؛ وصلنا إلى مرحلة لا نشتري فيها حاجياتنا الأساسية، من أكل وشرب وملبس، فمتى نرتاح»؟ صرخة ناديا، الأم لولدين، تنطق بلسان الكثيرين من حولنا.
نعيش أيامنا بهدف الراحة والفرح والهناء، وننام مساءً على أمل يوم جديد، ونتمنى دائماً لأنفسنا وللغير الخير والرضا، ولولا ذلك لما استطعنا المتابعة؛ فالمريض يعيش على أمل الشفاء، ويحلم الفقير بالإكتفاء والحصول على حاجاته، وحيث تسود الحروب يتمنى المواطنون السلام والأمن في كل لحظة. الأمان والإستقرار هما ذاك الشعور بالثقة واليقين بغد أفضل، ويرتبط بشكل مباشر بالمجتمع الذي نعيش فيه، الذي يعكس علينا شعوراً بالراحة أو بالقلق والتوتر. ويتألف المجتمع من العائلة والأصدقاء والرفاق والبيئة التي نعيش فيها، وصولاً إلى الوطن الذي يمثل الحضن الآمن والطمأنينة والسلطة والحماية.
يؤمّن الآباء والأمهات حاجات أطفالهم الأساسية، للعيش، ولا بد أنّ أهم هذه الحاجات هي حمايتهم وإشعارهم بالأمان، وذلك لمرحلة لا بأس بها من حياتهم، حتى يتمكنوا من القيام بذلك بمفردهم. ولا بد مع ذلك من مساعدتهم من خلال تعزيز ثقتهم بأنفسهم والإعتماد على الذات وصولاً للإستقلالية، حيث لا يحتاجونهم عملياً بعدها.
وكالأبناء، تحتاج الشعوب للأمن والإستقرار في الوطن الذي تعيش فيه، وإلى مَن يؤمّن للعائلات والأفراد الأمن الإجتماعي والإقتصادي، تماماً كما يحدث في العائلة الصغيرة، فالدولة هي الأب والأم اللذان يحميان أبناءَهما ويؤمّنان حاجاتهم، الأساسية على الأقل. يحتاج المواطن من الدولة أن تضع له الأنظمة والقوانين، فيلتزم بها، فهي مَن تفرض السلطة. بالمقابل لا بد أن تحمي أمنه واستقراره، فيشعر بالأمان، فلا يخاف من اغتصاب ممتلكاته وحرمات منزله، ولا من الجوع والبرد والمرض.
ماذا ينتج عن عدم الشعور بالأمان والإستقرار؟ ماذا لو لم يتمكّن رب البيت من ذلك؟ وعجزت الدولة عن تأمين ذلك للمواطن؟
عندما تتقاعس السلطة عن القيام بدورها، ينعكس ذلك ضعفاً وعجزاً وارتباكاً على كافة الصعد لدى المواطن. فقد يموت الطفل لشدة المرض إذا لم يهتم به والداه، وكذلك المواطن الذي لا يتمتع بضمان شيخوخة يشعره بالأمان. كذلك الأمر بالنسبة للتعليم، فإذا لم يهتم الأهل بذلك فمصير الأطفال التشرّد على الطرقات. والضمانات الإقتصادية، والخوف من خسارة وظيفة وانهيار شركة يعمل الفرد فيها، وإفلاس رجل يؤمّن معيشة المئات.
في ظلّ هذه الظروف بات الإنسان في وطني يخاف من كل شيء، ويعجز عن تأمين الحاجات الأساسية لنفسه ولعائلته بالحدّ الأدنى، أي الأمان والإستقرار، ما يرتبط باضطرابات ومشاكل نفسية كثيرة، أقلها التوتر والقلق والإحباط، الذي ينتج عنه اكتئاب وانتحار بالجملة لمواطنين شباب ومسنّين. يصل الإنسان إلى هذه المرحلة لأنه يشعر بالعجز عن القيام بما يلزم، لأنه قلق وخائف من الغد غير المضمون. نخاف في بلدي من أن نشيخ فنفضل الموت على الذل والمرض.
ليس من الخوف والإحباط فقط يعاني الإنسان في لبنان، بل كذلك من خيبة الأمل من توقعات ووعود تتجدّد كل يوم، ولا تتحقق أبداً.
يغرق المواطن في مشاعر سلبية وضغوطات تنتج عنها اضطرابات في النوم والشهية، وأعراض نفس-جسدية كثيرة، ما ينتج عنه استهلاك لكميات مخيفة من أدوية الإكتئاب والقلق، لذلك لا بد من وقفة لمواجهة ذلك عن طريق القيام ببعض الأمور اليومية التي تساعدنا على تخطي الصعوبات والسلبيات، كالرياضة واللجوء إلى أحضان الطبيعة، واستعادة ما خسرناه من تجمعات عائلية والإبتعاد قدر الإمكان من الأجهزة الإلكترونية والأشخاص الإفتراضيين.