ككل سنة تعود أزمة العودة إلى المدارس لتلقي بثقلها على كاهل الأهالي، وليشهد شهر أيلول كارثة الكوارث من خلال عودة التلاميذ إلى المدارس، وبالتالي الوصول إلى استحقاق الأقساط المدرسية والـFourniture (أي القرطاسية المدرسية) والثياب المدرسية (Costume) وبدلات النقل في الباصات المدرسية وغيرها.
وإذا كان لافتاً بشدة هذه السنة الإقبال الكثيف على المدارس الرسمية، واضطرار وزير التربية إلى إصدار تعميم لحفظ حقوق المدارس الخاصة في حال انتقال تلاميذ إلى المدارس الرسمية، فإن ما يلفت ككل سنة هو عدم تحديد المدارس الخاصة للأقساط المدرسية بذريعة أنه وبحسب القانون يتم تحديد الأقساط لاحقاً بعد احتساب كل التكاليف التي تتم قسمتها على عدد الطلاب.
في هذا الإطار ومن خارج القانون تفرض المدارس الخاصة ما يشبه “الضريبة” على الأهالي تحت عنوان الـFourniture والتي تتراوح كلفتها على الطالب الواحد في المدارس الخاصة ما بين 300 ألف ليرة و500 الف ليرة لبنانية، في حين أن ما يمكن أن يناله اي طالب في اي مدرسة مقابل هذا المبلغ من دفاتر مدرسية وغيرها يستحيل أن تتجاوز قيمته الـ100 ألف ليرة سنويا، ما يجعل المبالغ المدفوعة تحت عنوان الـFourniture، والتي ترفض أكثرية المدارس الخاصة أن تمنح الأهل إيصالاً قانونياً بدفعها حتى لا تتم مقاضاتها، أشبه بـ”جزية” وبباب للهدر تستغله المدارس الخاصة لتحقيق أرباح طائلة من خارج القانون.
وحدها مدرسة مار يوسف- عينطورة تميّزت بشكل لافت هذه السنة مع القرار الذي كانت اتخذته إدارتها في ختام العام الدراسي الماضي، وقررت فيه خفض كلفة الـFourniture للسنة المدرسية 2019-2020 بقيمة 200 ألف ليرة لكل الصفوف، وهو ما طبقته بالفعل. هذا القرار لاقى ارتياحاً واستحساناً كبيرين بين ذوي الطلاب الذين نوّهوا بقرار إدارة المدرسة التي تعهّدت ايضاً بعدم بزيادة الأقساط المدرسية لهذه السنة وللسنتين المقبلتين أيا تكن الأسباب.
قرارات مدرسة مار يوسف- عينطورة، والتي تُعد من أقدم وأعرق وأهم المدارس الخاصة والكاثوليكية في لبنان، والتي يشهد الجميع لمستواها التعليمي الرفيع وهي التي خرّجت كبار رجالات لبنان ولا تزال، هذه القرارات من المفترض أن تسبب إحراجاً لبقية المدارس الخاصة، وخصوصاً الكاثوليكية منها، ما يطرح أكثر من سؤال وعلامة استفهام، وأهمها:
ـ لم لا تحذو كل المدارس الخاصة، والكاثوليكية أولاً، حذو مدرسة مار يوسف- عينطورة برفض إدراج أي زيادة على الأقساط المدرسية للسنة الحالية في ظل الأوضاع الاقتصادية المأسوية؟
ـ لم لا تحذو كل المدارس حذو مدرسة عينطورة في تخفيض كلفة الـFourniture والثياب المدرسية أيضاً وخصوصاً أن هذه المبالغ التي تُجبى من الأهالي هي غير قانونية ولا يتم إدراجها ضمن موازنات المدارس الخاصة؟
ـ لِمَ تتقاضى مدارس كاثوليكية مبالغ من الطلاب في المرحلة الثانوية تحت عنوان الـFourniture تصل إلى 400 ألف ليرة من دون أن تقدّم شيئاً في المقابل ولا حتى دفتر وحيد؟ ومن يحاسب هذه المدارس؟
في اختصار يبدو أن مدرسة مار يوسف- عينطورة، والتي يديرها الآباء اللعازاريون، قررت استحضار روحية القديس منصور دي بول مؤسس جمعية المرسلين اللعازاريين، والذي قال يوماً: “لا يمكن ان تحدث الفقير عن الله إذا كان جائعاً”. هكذا قرّرت المدرسة أن تقدّم نموذجاً متقدماً في المقاربة المسيحية في أشد الظروف الاقتصادية صعوبة في لبنان، على أمل أن تعود كل المدارس الكاثوليكية والمسيحية إلى جوهر رسالتها المسيحية ما يسنح بتحقيق فرق فعلي في رسالة التعليم في لبنان.