كتب د. أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:
خلال الأسبوع المقبل، يرجع التلامذة إلى صفوفهم، وينصبّ إهتمام المربين في المدرسة على تنظيم جداول الدروس وكيفية مساعدتهم مهما كان مستواهم العلمي. ولكن يواجه تلاميذ كثر مشاكل على الصعيد الإضطرابات التعلمية أو مشكلات التعلّم التي تؤثر تأثيراً مباشراً في حياتهم النفسية ومردودهم التعلّمي. ومن هذه المشكلات، عسر الحساب أو Discalculie، وأستاذ الحساب عادة هو أول مَن يلاحظ هذه المشكلة عند أحد من تلامذته. فما هو «عسر الحساب»؟ وكيف يمكن إكتشافه؟ وما هي طرق معالجته عند التلميذ الذي يعاني منه؟
تؤثر مشكلات التعلم على تحليل ما يراه ويسمعه ويتعلمه التلميذ. لذا نرى بأنّ التلامذة الذين يعانون من عسر القراءة أو عسر الكتابة أو عسر الحساب… مردودهم المدرسي يتراجع نسبة لتلامذة آخرين لا يعانون من أيّ اضطراب تعلمي. ودور الأخصائي النفسي المدرسي هو تنظيم حصص نفسية لتقييم التلامذة وتقصّي مشكلات التعلم بمساعدة أخصائيين آخرين للوصول إلى توازن في عملية التعلّم والإستيعاب.
ما هو عسر الحساب؟
بشكل بسيط، عسر الحساب هو صعوبة في تعلم أو استيعاب الحسابات الرياضية وفهم الأرقام وتعلم كيفية إستعمال العمليات الحسابية وتطبيق النظريات الرياضية. ويعتبر العلماء بأنّ عسر الحساب هو وراثي في الكثير من الأحيان بينما «أكالكوليا» Acalculia وهو عدم القدرة لفهم وإستعمال الأرقام، سببه إصابة في الدماغ.
وطبعاً، لا يمكن لأحد أن ينكر بأنّ تعلم الحساب ليس بالأمر السهل خاصة عند الأطفال. ولكن لا يمكن أن نعتبره صعباً أيضاً. ونجد عند بعض الأطفال ذوي الذكاء المنخفض، صعوبات جمة في فهم وإستيعاب علوم تجريدية كالحساب. لذا لتسهيل عملية الحساب خصوصاً عند هؤلاء الأطفال، وعند جميع التلامذة عموماً، يمكن تطبيق جميع المفاهيم التي تفسّر للتلميذ في الصف على حياته اليومية. هذه طريقة مناسبة لكي يستوعب الأمور الحسابية التجريدية، خلال حياته اليومية. ويجب الذكر بأنه لا علاقة مباشرة ما بين عسر الحساب والذكاء، حيث يصيب عسر الحساب الأشخاص على مختلف مستويات نسب الذكاء. وتُعتبر الدراسات العلمية الأخيرة أنّ من 3 إلى 6% من سكان العالم مصابون بعسر الحساب لا سيما المنطق المجرد مع الارقام، أي عندما لا يستطيع الإنسان أن يفهم مبدأ مجرد «المركبة التي تصعد إلى القمر» والحسابات الرقمية التي يستعملها العالم لفهم الحسابات لكيفية الصعود.
دور الأهل في إكتشاف عسر الحساب
الأهل في البيت والمربي في الصف هم أوّل مَن يلاحظون بأنّ الطفل يعاني من مشاكل مع الأرقام. ويمكن عادة لجميع الأطفال عدّ ثلاثة عناصر بشكل صحيح، وكلما نضج الولد بالسن كلما زاد العدد. ولكن الأطفال الذين يعانون من عسر الحساب، يقومون بعدّ عناصر أقل وبشكل بطيء مقارنة مع أقرانهم في السن. ويلاحظ الأهل (كما الأستاذ في المدرسة) النقاط التالية عند طفلهم الذي يعاني من عسر الحساب:
• عدم قراءة وكتابة الأرقام بشكل صحيح خاصة الأرقام التي تشبه بعضها
• مشاكل في قراءة الساعة حتى لو أصبح الطفل في عمر (7 – 8 سنوات)، إذ يجب أن يقرأ الساعة بشكل صحيح وكامل. كما صعوبة في تصوّر الوقت وتحديد كم مرّ من الوقت (صعوبة في معرفة مبدأ التأخر أو الإبكار لوقت محدّد)
• عدم القدرة على العدّ بشكل تنازلي (23 – 22 – 21 – 20 – 19 – 18 …)
• صعوبة عدّ الرقم الفردي أو الرقم الزوجي (2 – 4 – 6 – 8 – 10 …)
• تحديد من عددين ما هو الأكبر قيمة
• عدم فهم التخطيط المالي (أي وضع ميزانية بالنسبة للشراء وقيمة المال)
• صعوبات في العمليات الحسابية: الجمع، الطرح، الضرب، القسمة وطبعاً الحسابات العقلية
• صعوبات جمة في جدول الضرب (لا يستطيع التلميذ أن يحفظه وأن يطبّقه أمامه) وصعوبة في فهم أو تذكّر مصطلحات الرياضيات والقواعد وكل ما له علاقة بالحساب
• صعوبة في التفرقة بين اليسار واليمين، شمال جنوب، ويفضل إستخدام الخريطة لتحديد مكان وجوده
• صعوبة في التخيّل الذهني وذلك يمكن أن يؤدي إلى مشاكل أخرى في مواد «الهندسة» وهي أحد فروع الرياضيات
• صعوبات في قراءة النوتات الموسيقية
• صعوبة عقلية في تحديد قياس مسافة أو شيء ما
ماذا عن الأسباب؟
حتى يومنا هذا، لم يعرف العلماء الأسباب الرئيسية لعسر الحساب ولكن يمكن أن نعتبر أنّ هناك أسباباً عصبية وبيولوجية ونفسية يمكن أن تكون وراء ذلك الإضطراب.
أولاً، الأسباب العصبية من ناحية قشرة المخ يمكن أن تكون السبب المباشر لعسر الحساب.
ثانياً، مشاكل في الذاكرة تؤثر على إستيعاب الحساب ومشاكل تعلمية أخرى.
ثالثاً، مشاكل في ذاكرة قصيرة الأمد، حيث لا يمكن للتلميذ أن يتذكر بشكل سوي كل ما يتعلمه من قواعد حسابية.
رابعاً، أسباب وراثية كما هناك بعض الإضطرابات الخلقية كمتلازمة غريستمان التي تؤثر مباشرة على الأداء التعلمي والحسابي عند الطفل.
علاج عسر الحساب
هناك الكثير من طرق التي يمكن أن توضع ضمن مخطّط تربوي لمساعدة التلميذ الذي يعاني من مشكلات عسر الحساب. هذا المخطط يصمّمه الاختصاصي النفسي المدرسي مع المعالجين المتخصّصين ويشمل «تقويم نطق وعلاج حسّي – حركي» وتهيئة مربية الصف للتعامل مع هذه الحالات. ومن أهم نقاط الاساسية لهذا المخطط:
• تقصّي المشكلة التي يعاني منها التلميذ ووضع برنامج مخصص له. فالتشخيص المبكّر وتقديم الأدوات اللازمة التي يساعده في العملية الحسابية في بالغ الأهمية.
• تمارين خاصة للأداء الحسابي يمكن أن تساعد الطفل في تخطي مشكلته.
• على المعلمة أن تتابع ورشات عمل بخصوص المشكلات التعلّمية لفهم أسباب هذه المشكلات والتأخّر المدرسي وعسر الحساب.
• طلب المعلّمة في الصف والاهل في البيت المساعدة من الاختصاصيين لمتابعة التلميذ الذي يعاني من عسر الحساب.
• تكون حصص التدريس مسلّية وغير مملّة للتلميذ. كما تخصّص حصصاً له لتقوية أدائه العلمي والحسابي. فكلما تمّت متابعة الطفل علمياً، كلما تقلّصت المشكلة.
• تطبيق ما يدرس الطفل في حياته اليومية.