لا يجرؤون على مجرد التعليق على إعلان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أن لبنان بلد يأتمر بحربه وسلمه بأوامر مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، ويشربون “حليب السباع” في مواجهة الصحافة التي تنقل هذا الإعلان لتضعه برسم الرأي العام، بوصفه انتقاصاً فاضحاً من سيادة الدولة ومسّاً مباشراً بموقع رئيس الجمهورية وبصلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة. وبدل أن تدبّ النخوة بمن يدّعي الحرص على “العهد القوي” فيبادر إلى التصدي لمحاولات جعله عهداً تابعاً ملحقاً بمحور خارجي، تراه يبادر إلى الإمعان في تصوير هذا العهد من حيث يدري أو لا يدري، عهداً قوياً قادراً فقط على قمع الأقلام وكمّ الأفواه تحت طائل الملاحقة القانونية لكل صحافي تسوّل له نفسه الكتابة والتحليل بما لا يرقى إلى مستوى التبجيل والتهليل للسلطة، والأخطر أنه لا يتوانى عن تحويل مطرقة القضاء إلى أداة ترويض للصحافة وتطويع لأقلامها، عبر تشويه صورة الجسم القضائي وجعله مطيةً لرغبات الانتقام والكيدية، وصولاً إلى محاولة حرف ميزانه وتحوير شعاره من العدل أساس المُلك… إلى “العهد” أساس المُلك.
فمن يفاخر بتقديم نفسه على أنه “وزير القصر” سليم جريصاتي اغتنم بالأمس فرصة انعقاد مجلس الوزراء، لا ليثير قضية الانتقاص من صلاحيات رئيس الجمهورية وسلطة الدولة اللبنانية في تقرير مصير اللبنانيين، إنما ليجاهر ويعلن بحنق وعدائية عن النية في الادعاء على صحيفة “نداء الوطن”، ربطاً بما نشرته في مانشيت عدد الأمس عن خطورة إلحاق لبنان بالمحور الإيراني، مثيراً في المقابل “ضرورة تشكيل لجنة لتعديل قانون المطبوعات”، وهو ما أتى في سياق يشي بالاتجاه عن سابق تصميم وتصوّر نحو تقييد حرية الإعلام والرأي في لبنان بقوة القانون العتيد تحت طائل تجريم المخالفين جنائياً. وبالفعل، بلغ “نداء الوطن” أمس كتاب استدعاء مذيّل بتوقيع النائب العام لدى محكمة التمييز بالإنابة القاضي عماد قبلان، يكلّف فيه رئيس قسم المباحث الجنائية المركزية بدعوة رئيس تحرير الصحيفة ومديرها المسؤول إلى جلسة في مكتبه في قصر العدل عند التاسعة والنصف من صباح يوم الأربعاء المقبل.
وإلى فرمان “وزير القصر”، خلص مجلس الوزراء بالأمس إلى إقرار سلة تعيينات قضائية عدلية وإدارية ومالية أبرزها: القاضي سهيل عبود رئيساً أول لمحكمة التمييز ورئيس مجلس القضاء الاعلى، القاضي غسان عويدات نائباً عاماً تمييزياً، القاضي فادي الياس رئيساً لمجلس شورى الدولة، القاضي محمد بدران رئيساً لديوان المحاسبة، القاضي رولا جدايل مديرة عامة لوزارة العدل والقاضي جويل فواز رئيسة لهيئة التشريع والاستشارات.
على أنّ تعيين عدد من القضاة رؤساء غرف في ديوان المحاسبة لاقى تحفظاً “قواتياً” نظراً “لعدم اتباع الآلية اللازمة بكاملها” في هذا الموضوع، حسبما أوضح نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني. في حين رفضت مصادر تكتل “لبنان القوي” اعتبار تعيينات ديوان المحاسبة مخالفة للدستور والقانون، وقالت لـ”نداء الوطن”: “ينصّ قانون ديوان المحاسبة على أنه يمكن الاستعانة بقضاة من خارج الديوان عند الاقتضاء، وهذا ما حصل في هذه التعيينات”.
وإذ استغربت الاعتراض “القواتي”، نقلت مصادر “لبنان القوي” عن رئيس التكتل الوزير جبران باسيل “إصراره على إنهاء حالات الوكالة في التعيينات، لا سيما في السلك القضائي وتحديداً في القضاء المالي، الذي تجاوزت فيه فترة الوكالة الـ 15 سنة ليعيّن رؤساء بالأصالة”، مشيرةً إلى أنّ “الوزير باسيل يشدد على أن للتعيينات التي أقرّت آلية تولى شرحها وزير شؤون الرئاسة (جريصاتي) في البيان الذي تلاه بعد الجلسة”.
في الغضون، وبينما يعود مجلس الوزراء للانعقاد الثلثاء المقبل في إطار الخطة الهادفة إلى تفعيل العمل الحكومي، يستعد رئيس الحكومة سعد الحريري للسفر في 20 أيلول الجاري إلى باريس، حيث علمت “نداء الوطن” أنّ برنامج الزيارة الرسمي لا يزال قيد الإعداد، غير أنّ الثابت المحوري فيه هو المحادثات التي سيجريها الحريري مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، والتي ستتناول السبل الآيلة إلى تفعيل تنفيذ برنامج الإصلاحات التي نصّ عليها مؤتمر “سيدر” ومشاريعه، إضافةً الى مناقشة سبل حماية لبنان في ظل الأوضاع الإقليمية المتفجرة.