كتب شارل جبور في “الجمهورية”:
الشق الإيراني من كلام السيّد حسن نصرالله يقطع الطريق على أي بحث في استراتيجية دفاعية أصبحت لزوم ما لا يلزم طالما أكد نصرالله انّ قائده هو السيّد علي خامنئي، وانّ استهداف طهران يعني انّ كل محور الممانعة مَعنيّ بالردّ، وفي طليعته «حزب الله».
الخلاف الذي نشأ على أثر خروج الجيش السوري من لبنان، تمحور على وجهة نظر تقول إنّ سلاح «حزب الله» هو سلاح مقاوم يجب الحفاظ عليه دفاعاً عن لبنان في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، التي تتطلّب وجود تنظيم مقاوم يعمل على طريقة حرب العصابات لا الجيوش النظامية. ووجهة نظر أخرى تعتبر أنّ سلاح «الحزب» هو سلاح ميليشيوي يجب تسليمه للدولة اللبنانية أسوةً بسائر الميليشيات، وأنّ السبب الذي حال دون ذلك يعود الى الوصاية السورية، وانّ زوال الوصاية يستدعي العودة الى تنفيذ الشق السيادي من اتفاق الطائف بتسليم «الحزب» سلاحه، وانّ الدولة اللبنانية وحدها المخوّلة الدفاع عن لبنان، لأنّ القرار السيادي لا يُؤجَّر ولا يُلزَّم ولا يُفوَّض.
وشكّلت طاولات الحوار المتعاقبة لحلّ هذا الخلاف مضيعة للوقت، خصوصاً انّ الأحداث كشفت عقم هذا النقاش ربطاً بثلاثة تطورات أساسية:
التطور الأول، إستخدام «حزب الله» سلاحه في الداخل في أيار 2008، في رسالة فحواها أنّ أي تهديد لسلاحه سيردّ عليه باستخدام هذا السلاح.
التطور الثاني، قتال «حزب الله» العلني والرسمي كجيش نظامي وليس كشبكات أمنية، دفاعاً عن النظام السوري. وهذا التطور كشف حقيقة «الحزب» انه لا يقاتل دفاعاً عن لبنان في مواجهة إسرائيل، إنما هو جزء من محور مقاوم يدافع في أي بقعة جغرافية من هذا العالم عن محوره ومكوّنات هذا المحور.
التطور الثالث، تأكيد نصرالله سابقاً أنه «جندي في جيش ولاية الفقيه»، وقوله اليوم إنّ «إمامنا وقائدنا وسيّدنا وعزيزنا وحُسَيننا في هذا الزمان هو سماحة آية الله العظمى الإمام السيّد علي الحسيني الخامنئي دام ظلّه، وأنّ الجمهورية الإسلامية في إيران هي قلب المحور، وهي مركزه الأساسي، وهي داعمه الأقوى، وهي عنوانه وعنفوانه وقوته وحقيقته وجوهره».
إذاً، بعد إعلان السيد نصرالله انّ مرجعيته هي إيران والسيد خامنئي وليس لبنان ولا الدستور اللبناني، هل هناك حاجة الى البحث في الاستراتيجية الدفاعية؟ وبعد إعلان نصرالله أنّ حزبه لن يقف على الحياد إذا استُهدفت إيران، هل هناك حاجة الى البحث في الاستراتيجية الدفاعية؟
حاول النظام السوري طيلة وجود جيشه في لبنان أن يصوِّر وجوده أنه حاجة لبنانية ليس لمواجهة إسرائيل فحسب، إنما لمنع نشوب حرب أهلية جديدة.
وبالتالي، حاول إقناع العالم بأنّ وجوده في لبنان هو خدمة للبنان وليس لسوريا وأهدافها ومطامعها، ولهذا السبب كان يعمل على إبقاء الحرب الباردة بين اللبنانيين ومنع تجسير العلاقات بين بعضهم البعض تبريراً لاستمرار جيشه في لبنان. وفي اللحظة التي تقاطع فيها التلاقي اللبناني – اللبناني مع القرار الدولي بخروج الجيش السوري، خرج ولن يعود.
وخطأ «حزب الله» أنه أظهَر، من خلال قتاله في سوريا واستعداده للقتال دفاعاً عن إيران، أنّ سلاحه لا تنطبق عليه الفقرة الواردة في القرار 1559 المتصلة بنزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، إلا إذا كان المقصود انّ سلاح «الحزب» هو كالسلاح الفلسطيني داخل المخيمات غير لبناني، لأنّ سلاحه بالفعل ليس سلاحاً ميليشيوياً لبنانياً، وهذا ما أثبتته التطورات لناحية انه سلاح إقليمي بامتياز، تَتحكّم في قراره القيادة الإيرانية. وبالتالي، إنّ نزع هذا السلاح يجب ان يكون ضمن الحوار الأميركي – الإيراني، وليس اللبناني – اللبناني.
ولم يجد «الحزب» حاجة الى تغطية دوره وسلاحه لبنانياً، على غرار ما فعل النظام السوري، لثلاثة أسباب: لأنّ عقيدته القتالية تعلو على اي اعتبار آخر، ولأنه يعتبر انّ سقوط اي مكوّن ممانع ينعكس سلباً على المحور برمّته، ولأنّ التسامح معه في العودة إلى المُساكنة مع حكومة الرئيس تمام سلام، على رغم خروجه للقتال في سوريا، جعله يتعامل مع اللبنانيين على قاعدة ثلاثية: شريك في السلطة وكل القرارات اللبنانية، الحكومة غير معنية بدوره القتالي خارج الحدود، والحكومة غير معنية بمصادرته قرار الحرب واستخدامه وفقاً لاعتباراته الإيرانية.
ولا يبدو لغاية اللحظة، وعلى أثر ربط نصرالله لبنان بإيران، انّ هناك ايّ تَوجّه لفَرط الحكومة وفك «المساكنة» مع «حزب الله»، وخروج «القوات اللبنانية» وحدها من الحكومة لا يقدّم ولا يؤخّر، واي خطوة من هذا النوع يجب ان تكون ثلاثية الطابع، اي أن تجمَع «المستقبل» و»القوات» و»الإشتراكي»، وفي حال لم تكن كذلك، فلا طائل فيها. ولكن يبدو بالمقابل انّ هناك من يريد أن يُجَنِّب لبنان نقل المواجهة والانقسام إلى ربوعه، بسبب انّ الصراع الحالي هو آخر فصول الصراع في المنطقة بين واشنطن وطهران، وانّ تسخين الوضع في لبنان يؤدي إلى تدفيعه ثمناً غالياً سياسياً واقتصادياً، وربما بشرياً، فيما من الأفضل إبقاء لبنان في موقع المتفرِّج، والتعامل مع مواقف نصرالله وكأنها مواقف تذكيرية، وذلك في انتظار ان تحسم الأمور آجلاً أم عاجلاً على طاولة المفاوضات الأميركية – الإيرانية، باعتبار أنّ المواجهة لم تعد محصورة بالأذرع الإيرانية، بل تحولت مع إيران بالذات التي سيتحدّد دولياً، خصوصاً أميركيّاً، مصير دورها وشكله وحدوده في منطقة الشرق الأوسط.
ومن الثابت أنّ التوقيت اللبناني أصبح على توقيت المنطقة أكثر منه على التوقيت المحلي، وفي انتظار ما ستؤول إليه التطورات الكبرى يجب حصر التركيز على نقطتين: التلويح بفرط «المساكنة» إذا استخدم «حزب الله» سلاحه، وأنّ ما حصل ردّاً على الاعتداءات الإسرائيلية كان مجرد استثناء لا قاعدة. والنقطة الأخرى إدخال مسألة «حزب الله» بنداً أساسياً في جدول الحوار الأميركي – الإيراني، خصوصاً بعد ان كرّر نصرالله انّ مرجعيته إيران لا لبنان. وبالتالي، لا جدوى من استراتيجية دفاعية سوى من زاوية تأكيد مرجعية الدولة وحدها.
ولم يَعد بإمكان أيّ فريق لبناني، بعد مواقف نصرالله، أن يطلب من الأميركيين عدم تنفيذ القرار 1559، وترك مسألة سلاح «حزب الله» للحوار اللبناني – اللبناني، كما حصل سابقاً، فهذا الأمر أنهاه نصرالله شخصياً، والذي وَضَع سلاحه ضمن المواجهة او الحوار الأميركي – الإيراني.