كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
يمكن القول، إنّ الحكومة انطلقت في استحقاقها “لاجتياح” الإدارة العامة. تعد مكوّنات السلطة التنفيذية، أو بالأحرى غالبيتها، نفسها بسلّة من التعيينات الإدارية قد تكون الأضخم في تاريخ العهود المتعاقبة.
في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، تمّ وضع اللبنة الأولى: التعيينات القضائية التي مرت بسلاسة بلا أي صخب باستثناء التحفّظ الذي سجله وزراء “القوات” على تعيينات قضاة ديوان المحاسبة بسبب “استيراد” بعضهم من خارج الملاك.
أما غير ذلك، فقد طغى “التفاهم السياسي” على غيره من المعايير التي حكمت عملية اختيار الأسماء للمواقع الأربعة الأساسية: رئيس مجلس القضاء الأعلى، مدعي عام التمييز، مدير عام وزارة العدل ورئيس مجلس شورى الدولة.
هكذا، بدت الدفعة الأولى من التعيين بمثابة اختبار حيّ للمشهدية المستقبلية ولما ينتظر هذا الملف الذي سيوضع على مراحل، على طاولة مجلس الوزراء، لملء الشواغر في الإدارة العامة التي تقارب الـ 40 موقعاً من الفئة الأولى وحوالى 230 موقعاً شاغراً لعضوية مجالس الإدارة في المؤسسات العامة.
عملياً، تدلّ المؤشرات وما يتمّ تسريبه من الجلسات المقفلة الى أنّ التعيينات ستتمّ على دفعات، وفق القطاعات. كما حصل في السلك القضائي، سيتولى الوزراء المعنيون وضع رزمهم على طاولة مجلس الوزراء. طبعاً، لن تكون الآلية التي تطالب “القوات” باعتمادها، ملزمة لأي فريق. ولن تنفع محاولات النائب جورج عدوان لقوننة الآلية، كما اقترح مرة رئيس الجمهورية ميشال عون، في تحويلها إلى معبر إلزامي لأي قرار بهذا الخصوص. قطار التعيينات انطلق بلا أي ضوابط قانونية. كل المطلوب، هو تأمين أكثرية وزارية قادرة على “طبش” كفّة الميزان وتطويق أي منحى اعتراضي، والباقي تفاصيل شكلية لا تقدّم أو تؤخر.
بالنتيجة، تتعامل القوى الحاكمة مع هذه المحطة على أنّها الفرصة الذهبية للانقضاض على الإدارة العامة من خلال مظلة التفاهم السياسي الذي بمقدوره المساعدة على تركيب “أذن الجرة” كما يريد “الفاخوري”، بغض النظر عن الاعتراضات التي تسجل من أي فريق معارض.
يكفي رصد الرسم البياني لملف التعيينات القضائية للتأكد أنّ جلّ ما حصل هو أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ومعه رئاسة الجمهورية توليا عملية حسم مصير الموقعين المسيحيين فيما تولى رئيس الحكومة سعد الحريري حسم مصير الموقعين السنيين.
في المقابل، لعب الثنائي الشيعي دوراً حيادياً، خصوصاً في ما يتصل بالحصة المسيحية، تاركاً الهامش واسعاً أمام “التيار الوطني الحر” ليختار من يريد للموقعين، فيما اكتفى بمراقبة الأسماء التي طرحها الحريري للموقعين السنيين بلا أي ردّ فعل، خصوصاً في ما يخص منصب المدعي العام بعدما تبيّن له أنّ القاضي المقترح لهذا المنصب لا يثير الحساسية أو الاستفزاز.
أما بقية القوى السياسية فبدت في موقع المتفرّج. تؤكد المعلومات أنّ أيّاً من المعنيين لم يكلّف نفسه عناء استشارة “القوات” أو “المردة” في ما خصّ المواقع المسيحية، لا بل يذهب أحد المعنيين من قوى الثامن من آذار إلى حدّ القول إنّ “القوات” ارتكبت خطيئتها حين انقلبت على “تفاهم معراب” الذي اشترط أن تكون “القوات” شريكة العهد لتقاسمه المواقع الإدارية، وطالما هي اختارت صفوف المعارضة، فهذا يعني تحرر “التيار الوطني الحر” من أي التزامات تجاهها.
ولهذا يسود الاعتقاد أنّ مشهدية يوم الخميس ستكون نموذجاً لما سيؤول إليه ملف التعيينات، بحيث ستكون المواقع الشاغرة بتصرف الوزير المعني، لجهة استخدام الآلية أو عدمها. الأهم من ذلك، تدل المؤشرات على أنّ تفاهم الحريري- باسيل سيكون ركيزة التعيينات، بالتنسيق مع الثنائي الشيعي. وحين يكون صاحب الموقع من الطائفة الدرزية، حينها يصير للقوى الدرزية صوت مؤثر.
ويفترض وفق المعلومات أن يكون قطاع الطاقة هو المحطة المرتقبة في هذا الملف، لجهة مصالح المياه ومجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان بعدما وعدت وزيرة الطاقة ندى بستاني تشكيل مجلس الإدارة في وقت قريب.