كتب جورج حايك في “الجمهورية”:
بموقف مفرط القوة أعلن أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصرالله: «نرفض مشروع حرب على الجمهورية الإسلامية في ايران، لأنّ هذه الحرب ستشعل المنطقة وتدمّر دولاً وشعوباً، ولأنها ستكون حرباً على كل محور المقاومة، وتهدف إلى إسقاط آخر الآمال المعقودة لاستعادة فلسطين والمقدسات». لقد أكّد نصرالله غير مرة أنه في حال الهجوم على إيران سيكون مضطراً للانخراط في الحرب للدفاع عنها. هذا الموقف الحاد لم يَلقَ أيّ رد من جهة لبنانية أخرى، بل بَقي لبنان الرسمي وغير الرسمي صامتاً ومُستسلماً بالكامل لـ«حزب الله».
فرض «حزب الله» سطوته السياسية والعسكرية وبات يُمسك بزمام القرارات لبنانياً، ويقول قيادي كبير في 14 آذار: «الأمر الأكثر خطورة هو غياب أي معارضة لـ«حزب الله»، بحيث باتت كل القوى عاجزة عن مواجهته لسببين:
الأول، عجز سياسي نتيجة التسوية التي اتفق أطرافها على النأي بالنفس، أي اتفاق قوى الداخل على ضرورة ابتعادها عن الصراعات الإقليمية، والامتناع عن الاصطفاف في المحاور للحفاظ على الاستقرار الداخلي وانتظام عمل الحكومة، ولو في حدّه الأدنى. التزم الجميع هذه التسوية إلا «حزب الله» الذي بقي ملتصقاً بالمحور الإيراني، ومشاركاً في كل النزاعات التي تقتضيها مصلحة ايران، بدءاً بسوريا مروراً باليمن والعراق وصولاً إلى استمرار المواجهة مع إسرائيل.
الثاني، عجز ميداني، إذ لا يملك أي طرف لبناني القدرة العلمية لمواجهة «الحزب»، وبالأساس لا إرادة لدى أي مكوّن لبناني الدخول في حرب أهلية. ومن جهتها لا تملك الدولة الإمكانات ولا القرار السياسي لنزع سلاحه. هكذا بات الجميع مُسلّماً بتَسيّد «حزب الله» وهيمنته على لبنان وقرار الحرب والسلم».
ويوضِح القيادي في 14 آذار «انّ الصمت المُريب لدى كل المكوّنات اللبنانية حيال هذا الأمر له عدة أسباب: أولاً، هناك طموح سياسي لدى كل القوى في الوصول إلى السلطة أكانت رئاسة الجمهورية أو الحكومة، وهي تعرف انّ «حزب الله» يعتبر ناخباً أساسياً. ثانياً، تحرص كل الأحزاب على تجنّب ضرب عملية العلاقات العامة مع «الحزب»، بانتظار أن يأتي الحل من الخارج».
ويستطرد القيادي الكبير: «لكنّ هذه القوى لا تُدرك انّ خلاف الخارج مع «الحزب» لا تتوافق أسبابه مع خلاف الداخل اللبناني، فالدول التي تواجه «حزب الله» هدفها أن لا يُهدد إسرائيل وأن لا يقتني صواريخ خطيرة تهدد أمنها، فيما الخلاف مع الداخل اللبناني يكمن بوجوده وتهديده للصيغة اللبنانية. وحسابات الدول الأجنبية، ولاسيما عواصم القرار كواشنطن ولندن وباريس وموسكو، لن تُبادر إلى الاستجابة للمطالب اللبنانية ما لم تُلاقِها هذه الأحزاب والقوى في منتصف الطريق. بمعنى آخر، عندما يرى المسؤولون الأميركيون والأوروبيون انّ المكوّنات اللبنانية تتعايَش مع «حزب الله»، فإنها ستكتفي بفرض عقوبات تعطّل دوره الإقليمي، لكنها لن تستجيب لمخاوف أكثرية الشعب اللبناني على الصيغة، والخطر الداهم لتغيير وجه لبنان وتركيبته الحضارية».
ويلفت القيادي في 14 آذار إلى «أنّ خطورة هذا الصمت الشامل لدى القوى اللبنانية، لاعتبارها انّ حلّ مسألة سلاح «حزب الله» الإقليمي، وإقرارها بدوره في اليمن وسوريا والعراق وفي كل مكان، والتسليم بدوره الإقليمي يعني التأكيد على أنه جزء من الاستراتيجيّة الإيرانية». ويتساءل القيادي: «كيف يقبل هؤلاء التعايش مع الاستراتيجية الإيرانية داخل الحكومة والمجلس النيابي؟».
تتذرّع القوى المُهادنة لـ«حزب الله» بخوفها على الاستقرار الذي كان مفقوداً بين عامي 2005 و2009، فيوضِح القيادي: «لا أرى انّ عدم الاستقرار بين 2005 و2009 أدى إلى الانهيار الاقتصادي كما نعيشه اليوم. وبالتالي، إنّ مقولة الحرص على الاستقرار هي كذبة كبيرة، فأين الاستقرار مع سلاح يحرّكه «حزب الله» كلّما اقتضَت المصلحة الإيرانية ذلك؟».
ويطرح القيادي المزيد من علامات الاستفهام: «ما قيمة الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة اذا أبقَت المعابر غير الشرعية مفتوحة؟ في هذه الحالة لا قيمة للإصلاح بتاتاً».
ويُبدي القيادي الـ14 آذاري قلقه الكبير من أنّ وضع سلاح «حزب الله» أخطر بكثير من الوجود الفلسطيني المسلّح في السابق، ويشير إلى «أنه ليس بالضرورة استنهاض قوى 14 آذار، إنما على القوى السيادية الخروج من التسوية والعودة إلى ثوابتها وخطها الأساسي، وإعلان المواجهة من ضمن خطة متكاملة تتوّج برفع القضية إلى المنابر الدولية والأمم المتحدة».
وعن الخوف من المواجهة مع «حزب» قادر على تحريك سلاحه ضد الداخل، يقول القيادي: «ليس بالضرورة أن يؤدي ذلك إلى حرب، لكن على الأقل أن تبرز القوى رفضها لهذا الوضع من خلال برنامج مدروس ومُحكم».
ويختم القيادي أنّ الدول لا تحترم الخنوع والاستسلام، بل تتعامل مع الأقوياء الذين يفرضون أنفسهم ويُثبتون وجودهم، وهذا ما حصل مع «طالبان» في أفغانستان والحوثيين في اليمن. وقريباً، قد تتواصَل الدول الكبرى مع «حزب الله» لأنه بنظرها بات الأقوى، وكل المكوّنات اللبنانية مستسلمة له وغير مبالية وتنتظر مبادرات الخارج!