كتبت بولا أسطيح في “الشرق الاوسط”:
مع انطلاق العام الدراسي في القسم الأكبر من المدارس الخاصة وفتح باب التسجيل في المدارس الرسمية، بدا واضحا للمعنيين بالشأن التربوي أن الأزمة الاقتصادية التي يرزح تحتها لبنان ألقت بثقلها على القطاع التعليمي مع قرار عدد كبير من الأهالي نقل أولادهم من المدارس الخاصة إلى تلك الرسمية، في ظل إعلان منسق اتحادات لجان الأهل في لبنان عبدو جبرايل عن إحصائية تفيد بأن «12 في المائة من طلاب المدارس الخاصة توجهوا إلى المدارس الرسمية لأن الأهل لا يملكون المال لدفع الأقساط».
ووصلت أقساط المدارس الخاصة إلى مستويات غير مسبوقة في السنوات الماضية خاصة مع إقرار رفع رواتب الأساتذة، ما أدى لتكبيد الأهالي هذا العبء. ويبلغ متوسط الأقساط في هذه المدارس نحو 4 ملايين ليرة لبنانية أي نحو 2600 دولار، تضاف إليها القرطاسية واللباس والكتب. في الوقت الذي يمكن الولوج مجانا إلى المدارس الرسمية حتى صف الشهادة المتوسطة، ويدفع تلامذة الصفوف الثانوية أقل من 200 دولار عن كامل العام الدراسي.
ويبلغ عدد المدارس الرسمية في لبنان 1261. في الوقت الذي لم يعتد أن يتوجه إليها إلا 30 في المائة من الطلاب. وبحسب الشركة «الدولية للمعلومات» فقد بلغت نسبة الطلاب في المدارس الرسمية 42.4 في المائة في عامي 1974 – 1975 (أي قبل الحرب) وهي أعلى نسبة سجلت، وتراجعت إلى 29.5 في المائة في عام 2010 – 2011 وهي أدنى نسبة سجلت، وبلغت النسبة 31 في المائة في العام الدراسي 2018 – 2019. وأشارت مصادر وزارة التربية والتعليم إلى أنه وبعد أيام من فتح باب التسجيل في المدارس الرسمية «تمكنا من رصد ضغوط كبيرة لجهة الإقبال على التسجيل لم نكن نشهدها من قبل»، لافتة إلى أنه حتى الساعة لا يمكن الحديث عن أرقام محددة وإنما عن ضغوط على المدارس الرسمية في المناطق كافة وليس في مناطق محددة. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «في مدرسة بيصور التكميلية مثلا 700 طالب تم تسجيلهم وهناك 1007 طلاب على لوائح الانتظار»، مشددة على أن الأولوية تبقى للتلميذ اللبناني على أن تتساوى حظوظ التلامذة السوريين والفلسطينيين. وتحدثت المصادر عن إجراءات جديدة للتأقلم مع ضغط الطلاب تقوم على فتح صفوف وشعب جديدة والبحث باستحداث دوام مسائي، لافتة إلى أن ما يحصل هو بنسبة 80 في المائة نتيجة الأوضاع الصعبة التي يرزح تحتها اللبنانيون و20 في المائة نتيجة ثقة الأهالي بالمدرسة الرسمية بسبب النتائج الممتازة التي تتحقق في الشهادات الرسمية.
وبحسب المعلومات، فقد شكّل المدير العام لوزارة التربية فادي يرق لجنة متابعة لتسجيل التلامذة في المدارس الرسمية للتعامل مع الوضع المستجد، وتتركز مهامها على تبيان قدرة الصفوف على استيعاب أعداد أكبر من الطلاب والبحث بالخيارات المطروحة في ظل محدودية عدد الأساتذة مع توجه 1200 منهم إلى التقاعد ومنع أي شكل من أشكال التوظيف كنتيجة للتقشف المعتمد في الموازنة. كما دعا وزير التربية أكرم شهيب أكثر من مرة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء مخصصة للتربية أو لقاء ثلاثي مع رئيس الحكومة ووزير المالية لحل هذه المشكلة.
وأشارت إحدى الأمهات التي اضطرت مؤخرا إلى نقل أولادها الـ3 من إحدى المدارس الخاصة إلى مدرسة رسمية إلى أنها اضطرت إلى اتخاذ هذا القرار مجبرة بعد أن وصل قسط الولد الواحد إلى حدود الـ5000 دولار، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن وصول اثنين منهم إلى الصفوف الثانوية سهّل عليها اتخاذ القرار: «وإن كنت لا أزال أخشى ألا يتأقلموا سريعا… لكننا لم نعد نستطيع أن نتحمل الأكلاف التي تتعدى القسط إلى الكتب والقرطاسية والنقليات بعدما وصلت إلى حدود الـ600 دولار للولد الواحد خلال العام الدراسي».
ولفت نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود، إلى أنّ «الأهل يضطرون لنقل أولادهم إلى المدارس الرسمية بسبب الوضعين الاقتصادي والاجتماعي الصعب، وليس عن قناعة»، موضحا في حديث إذاعي أنّ «المدارس الرسمية، لا سيما في المرحلة الأساسيّة، ليست مجهّزة لاستقبال الأعداد التي (تنزح) إليها»، معتبراً أن «وضع الثانويات يبقى أفضل».