IMLebanon

رحلة البحث المضنية عن “الدولار”

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

 

البحث عن الدولار في لبنان، أصبح كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، أو الاصح، عن عملة نادرة في كومة ليرة غير مفيدة. فالتعامل بالليرة اللبنانية لغاية اللحظة ما زال طبيعياً بالنسبة للمستهلكين، وما زالت عملة “بلاد الارز” بأيدي المواطنين قادرة على تلبية احتياجاتهم، فيما تتحول هذه العملة يوماً بعد آخر الى “عقيمة” بالنسبة الى التجار وأصحاب المصالح، تُرفض في أغلب المعاملات، ويستحيل تحويلها الى الدولار بشكل طبيعي، وإذا تمت عملية التحويل فتكون بأسعار مرتفعة تمتص كل ربح التجار”.

هذا الواقع الناتج بشكل اساسي عن سياسة الدولة، في نفخ القطاع العام، وفشل مؤسساته وارتفاع كلفتها، والاضطرار الى تمويلها بسياسات رفع الفوائد، والتي أودت الى عجز مستجد، غير مسبوق في ميزان المدفوعات، فرضت على الشركات خياراً من اثنين: إما الاقفال، والحد من خسارة تتراكم يومياً، نتيجة اضطرارهم لتحويل الليرة الى دولار بكلفة أعلى بكثير من 1507.5 المحددة رسمياً من قبل السلطة النقدية، وإما زيادة فرق التحويل على السلع والخدمات وتحميلها للمواطنين. خياران أحلاهما مر، فالتجار الذين ارتضوا اقتطاع ارتفاع سعر الصرف الى 1560 في البداية من ارباحهم، على أساس ان الازمة موقتة ولن تطول، يتفاجأون اليوم بأن الازمة بنيوية، وبأن الحصول على الدولار لم يعد متوفراً حتى بالسعر الذي ارتضوه. هذا الواقع يختصر الطريق الى الاقفال من دون المرور في الخيار الثاني، أي نقل الكلفة على المستهلكين. فالدولار غير متوفر بأي سعر كان. وعليه فان عملية شراء من الخارج أصبحت شبه مستحيلة.

الحاجة للدولار تتمدد

هذا الواقع ظهر بداية في قطاعات استيراد المواد الإستراتجية وذات الطلب المرتفع داخلياً، كالنفط والادوية، وبدأ يتسلل الى مختلف القطاعات من أسعار الكتب المدرسية والاقساط الجامعية والفواتير الهاتفية وتذاكر طيران الشركة المحلية، والملبوسات التركيـة والمنتجــــات الغذائيــة.. مهدداً بعدم القدرة على استيراد الحاجات الاساسية وغير الاساسية، وهي كثيرة جداً، خصوصاً أننا نستورد بقيمة 19 مليار دولار سنوياً. حتى أن المواد الاولية للصناعات المحلية التي لا تكفي السوق الداخلية لا كماً ولا نوعاً، تستورد من الخارج بالدولار. فمن أين سنأتي به؟

أزمة الدولار هي ازمة الامر الواقع التي لا ترتبط فقط بندرته، إنما بانعدام رقابة الدولة على عقود الشركات وعجزها عن تقديم حلول مفيدة. ففي جعبة “نقابة أصحاب المحطات” مذكرة من وزارة الطاقة والمياه، يعود تاريخها الى العام الماضي، تفيد بأنه على الشركات تسليم أصحاب المحطات مقابل الدفع بالليرة اللبنانية، بناءً على جدول تركيب الاسعار المحدد بالعملة الوطنية. إلا أن الشركات لا تلتزم بالمذكرة ولا تقبل التعامل الا بالدولار، وهو ما دفع بنقابة أصحاب المحطات إلى اعلان الاضراب، لعدم قدرتها منفردة على تحمل الخسارة. فاستدعيت النقابة على عجل الى وزارة الطاقة، حيث وعدت وزير الطاقة ندى بستاني، بحل قريب ومراجعة المعنيين في وزارة المالية والمصرف المركزي مقابل تعليق الاضراب “الا انه منذ تعليق الاضراب ولغاية اليوم لم يتواصل أحد من المسؤولين معنا، ولم نر أي تغيير، بل العكس فان الازمة تتجذر يوما بعد آخر وتكبدنا ملايين الليرات من الخسائر” يقول نقيب أصحاب محطات المحروقات سامي البراكس، ويضيف “هذا الواقع دفعنا الى الاجتماع مجدداً وتجديد موعد الاضراب، الا أنه بعد اتصال تلقيناه من بسام طليس (رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري) الذي يملك علاقة مميزة مع وزير المالية، قال لنا إن خليل (وزير المالية علي حسن خليل) إجتمع مع حاكم “المركزي” لحل الازمة طالباً مهلة أسبوع”.

لا حلول

كل الحلول التي قدمت لحل هذا الملف لم تجدِ نفعاً، فطلب مارون شماس رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط توفير إعتماد كبير يغطي فاتورة المحروقات، جوبه بالرفض وبالتساؤل “من وين بدي جبلك هالاعتماد” يقول البراكس، ويعقّب “هذا ما دفعني الى طرح حل مبني على المذكرة التي تسمح لنا بالشراء بالليرة اللبنانية، فندفع بالليرة ويؤمن مصرف لبنان للشركات تحويل المبالغ المدفوعة الى الدولار بالسعر الرسمي”. حل قد يكون منطقياً تبنى عليه آمال كبيرة عند أصحاب المحطات، إلا انه بنظر المتابعين سيرفض للعديد من الاسباب، فالمشكلة بعدم تسليم الدولار هي عدم توفره، نتيجة تراكم عجز ميزان المدفوعات وتحقيقه بين (2011 و2018) عجزاً بقيمة 14.5 مليار دولار، بحسب تقرير نشرته “الدولية للمعلومات”. أما عن الارتكاز على احتياطات مصرف لبنان من العملات الاجنبية والتي تخطت بحسب المصرف اخيرا 36 مليار دولار، فهي مشكوك بصحتها بناءً على تقريري كل من “فيتش” التي قالت ان احتياطات “المركزي” سلبية بقيمة 32 مليار دولار، و”ستاندر أند بورز” التي قدرت العجز بـ 6 مليار دولار. وعليه فان الاحتياطات وان وجدت، فهي قاصرة عن توفير احتياجات لبنان بنسبة مرتفعة جدا، وان استطاعت توفير الدولار للنفط، فهل ستستطيع تأمينه لتغطية قطاعات احتياجاتها التي تكبر ككرة الثلج؟