مرحلة جديدة من العقوبات الأميركية على حزب الله ومن يرتبط به. هذه هي فحوى كلام المبعوث الأميركي ديفيد شنكر، الذي أشار إلى اتساع مروحة العقوبات ولن تنحصر فقط بشخصيات أو مؤسسات من طائفة محددة. العقوبات ستشمل رجال أعمال، أو شخصيات سياسية، على علاقة بحزب الله، أو تعتبرها واشنطن توفر الغطاء للحزب وتقدّم له المساعدة المالية وغير المالية. تصرّ واشنطن على الفصل بين لبنان كدولة وحزب الله. والقاعدة التي يعمل الأميركيون على تكريسها، هي عدم السماح للحزب بالاستفراد بالدولة، أو بالسيطرة عليها منفرداً. ولذلك لا تهدأ التحذيرات الأميركية للسياسيين اللبنانيين بوجوب التصدي لحزب الله وكبحه، رغم علم واشنطن أن مواجهة الحزب لبنانياً لن تكون متكافئة.
تعرف الولايات المتحدة الأميركية أن رهانها على قوى لبنانية في مواجهة الحزب سيبوء بالفشل. وتعلم أن حزب الله غير قابل للعزل أو التطويق، وهو يمتلك أوراقاً متراكمة من القوة، فلم يعد أي طرف سياسي في لبنان يتبوأ أي موقع في الدولة من دون موافقة الحزب. ولا يمكن للدولة اللبنانية اتخاذ أي قرار لا يتوافق مع مصلحة الحزب وتوجهاته. وبالتالي، فإن كل هذه العقوبات والضغوط تهدف إلى ترتيب “شراكة” أميركية مع حزب الله، لا إلغاء الحزب. وهذا يمكن استلهامه مما ركّز عليه شنكر في مباحثاته.
البحث عن “شراكة”
المواقف التي أطلقها المبعوث الأميركي أمام وسائل الإعلام هي نفسها التي أبلغها للمسؤولين الذين التقاهم. أي أنه كان بمنتهى الوضوح. الرجل يريد تكريس مفهوم خاص به لإدارة الملف الموكل إليه. وما ركز عليه شنكر في مباحثاته، كان العقوبات والقرار 1701 وملف الصواريخ الدقيقة. أما تفاصيل ملف ترسيم الحدود، فهي مؤجلة إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، حين ستنطلق من النقطة التي انتهت إليها مهمة المبعوث السابق ديفيد ساترفيلد. لكن مع سقف زمني محدد (أشهر ستة)، وإن كان لبنان نال بعض التنازلات.
عملياً، سلّمت واشنطن بحقيقة أن هذه المفاوضات لا بد لها أن تدار من قبل حزب الله. ومن هنا قد تبدأ “الشراكة”، إنما وفق الشروط التي ترفعها الولايات المتحدة الأميركية، والمتعلقة بإعادة تجديد الاتفاق حول القرار 1701 عبر توسيعه، ولو باتفاق ضمني وغير مكتوب، يضمن أمن إسرائيل.. والمرتبطة أيضاً بالملف الثاني الذي ركز عليه شنكر، أي الصواريخ الدقيقة. وكأن واشنطن تسلّم للحزب بإدارة مفاوضات الترسيم عبر الرئيس نبيه بري، أو الدولة اللبنانية، وتسلّم له ببقاء سلاحه، شريطة أن تبقى المنطقة الحدودية هادئة كما كان الحال منذ العام 2006. لكن ما لا يمكن التساهل به هو مسألة الصواريخ الدقيقة، تماماً كما هو حال المفاوضات التي ستكون بين واشنطن وطهران عندما يحين وقتها، وستكون محصورة بالسلاح النووي والصواريخ البالستية، فيما التفاصيل الأخرى تبقى غير ذات أهمية.
ترامب المستعجل
في الأثناء، يستعجل الرئيس الأميركي دونالد ترامب أي لقاء مع المسؤولين الإيرانيين. وهو وجّه قبل فترة دعوة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لزيارة البيت الأبيض. رفض الإيرانيون ذلك، لعلمهم أن ترامب يريد أخذ الصورة مع المسؤولين الإيرانيين ليستفيد منها انتخابياً. غضب ترامب.. فأدرج ظريف على لائحة العقوبات. واليوم تتعامل إيران مع المساعي الدولية لعقد لقاء مع الأميركيين وفق القاعدة نفسها: التمنّع. فترامب يحتاج اللقاء قبل الانتخابات، بينما طهران تبحث عن كيفية الصمود إلى ما بعدها، لأن الاتفاق سيكون محتماً حينها.
لذا تلجأ الإدارة الأميركية إلى الضغط بالعقوبات على إيران وحلفائها. ومن الآن إلى أن تحين لحظة المفاوضات فإن التوتر سيزداد في المنطقة، والتصعيد سيستمر. وقد تتكرر المناوشات بعد الانتخابات الإسرائيلية.. ليبقى السؤال حول مدى قدرة طهران تحمّل كل هذه الضغوط، كما كان الحال في فترة العام 2006 مع الاستعداد للبدء بالمفاوضات غير المباشرة. حينها اندلعت حرب تموز وحرب غزة. واليوم قد لا يتكرر مشهد الحروب، لكن هناك تحذيرات من اللجوء إلى تكرار سيناريو سوريا في لبنان عبر توجيه ضربات لبعض مواقع حزب الله في لبنان.
لبنانياً، تدعّم واشنطن حملتها الإعلامية بحملة العقوبات التي ستتزايد في الفترة المقبلة، وقد تشمل شخصيات سياسية ووزارية، سيكون إدراجها على لائحة العقوبات مرتبطاً بالحاجة السياسية. هذا الأمر، يدفع حزب الله إلى تلمّس مخاطر مرحلة جديدة من العقوبات ستكون أشد قسوة. وهذه بالتأكيد ستدفعه إلى عدم السكوت، وتغيير سلوكه إزاء ما يتعرض له. وهذا ما لمّح إليه حسن نصرالله في خطبته الأخيرة حول معاقبة مقربين أو حلفاء أو أصدقاء الحزب. وخصوصاً، أن الحزببات يعتبر نفسه مستهدفاً ليس في لبنان فقط، إنما في مختلف دول العالم لا سيما بعد خطف رجل الأعمال الشيعي في أثيوبيا حسن جابر، والترجيح أن ما تعرض له هو عملية إسرائيلية أميركية.
خيارات الرد
يدرس حزب الله كيفية الردّ على هذا النوع من العقوبات. وهو بلا شك طلب من الدولة اللبنانية إيجاد آلية للتصرف، والتواصل مع الأميركيين لحثهم على وقف هذا المسار، لأن استمراره سيؤدي إلى نفاذ صبر الحزب، وقد يقوم برد فعل محدد، إما في لبنان أو في الخارج. بل وهناك أيضاً هامش لمقربين من الحزب ومن خارج جسمه التنظيمي يتوقون إلى الرد على العقوبات بطريقة ما. وقد يبدأ الرد بواسطة تحركات وأعمال تجاه مصالح أميركية أو غربية في لبنان والخارج.
الرد على هذه العقوبات أصبح على جدول أعمال الحزب. أما ملف الصواريخ الدقيقة، فيعتبره الحزب خارج دائرة النقاش. وجولة وزير الخارجية مع السفراء ووسائل الإعلام لن تتكرر. لأن الحزب لا يريد أن يعمل كشافاً لدى الإسرائيليين، وغير معني بالكشف على مواقعه العسكرية.