IMLebanon

من لغز المسيَّرتين إلى لغز مرور العميل

أعادت عملية تسلُّل العميل عامر الياس الفاخوري، برفقة ضابط برتبة عميد المسألة إلى جذورها. وهي مسألة تتعلق بالإنتماء، وبتحديد منَ هو العدو ومن هو الصديق، وكيفية التعامل مع ظاهرة العملاء، التي هي بالأساس ظاهرة، خارج المحلية أو القومية أو الحدود الجغرافية، هي ظاهرة عالمية، ارتبطت بمفاهيم الخيانة الوطنية، وبمفاهيم النضال الوطني، وإعادة فهم العلاقات بين الجماعات والدول.

كشفت قضية وصول العميد اللحدي الخطير، الذي يصفه المقاومون الأبطال، بأنه جزار معتقل الخيام، عن اختلاف جذري بين اللبنانيين إزاء ظاهرة العمالة أو الإرتباط الجاسوسي، والنفعي والمصلحي بالعدو..

وطرحت القضية من جوانب شتى أبعاد التباعد في فهم الإرتباط بدولة عدوة، والتآمر معها ضد أجزاء من الأرض الوطنية، والشعب المتواجد عليها، فضلاً عن مناهضة الإرادة الوطنية، المتصلة بحركات المقاومة، بكافة تصنيفاتها، المدنية والعسكرية والاقتصادية، إلخ، الأشكال التي عرفتها المقاومات خلال الأزمنة القديمة والحديثة:

بعد أن حزمت وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، هوية لبنان العربية، وإنتماءه إلى محيطه، واعتبار إسرائيل دولة عدوة، بكل ما للكلمة من معنى، وانتهى زمن التبريرات لتعامل هذا الفريق السياسي، الحزبي العسكري مع إسرائيل، بوصفها «اللجوء إلى الضرورة» للحماية من الإبادة أو الترحيل، كان من المفترض ان تختلف المقاربات الوطنية لهذا النوع من الارتهانات أو الاحتمالات، ويصبح الإجماع الوطني مسألة غير قابلة للأخذ والردّ..

لقد تنبَّه المشترع إلى خطورة التآمر على زمن الدولة وسلامة الأراضي، فتضمن الكتاب الثاني بعنوان في الجرائم وفي الفصل الأول بعنوان «في الجنايات الواقعة على أمن الدولة الخارجي، جملة من النبذ (العدد 6)، استلها القانون بنبذة الخيانة، حاصراً أمر النظر في مثل هذا النوع من الجرائم بالمحاكم العسكرية، عملاً بالمادة 24 من قانون القضاء العسكري..

لا يتسامح قانون العقوبات مع خائن وطنه، فالفقرة الأولى من المادة 273/4/ تتحدث عن عقوبة الإعدام للخونة «كل لبناني حمل السلاح على لبنان في صفوف العدو عوقب بالاعدام».

ولا تعفي الجنسية الأجنبية، أياً كانت، اللبناني من عقوبة الإعدام، إذا «تجند بأي صفة كانت في جيش معادٍ، ولم ينفصل عنه قبل أي عمل عدوان ضد لبنان».

والمادة275، تنص على الإعدام أيضاً لكل لبناني «دس الدسائس لدى العدو أو اتصل به ليعاونه بأي وجه كان على فوز قواته عوقب بالاعدام»..

بصرف النظر عن النصوص القانونية، والأعراف الواضحة، إزاء مسألة الخونة، والعملاء، المنضوين في جيش لحد «المهزوم» أو المتعاملين مع العدو الإسرائيلي مباشرة، فإن مسألة العميل الموقوف بالتهم المنصوص عليها في نبذة الخيانة، من قانون العقوبات، عامر الياس الفاخوري، تطرح جملة خطيرة من الأسئلة ذات الصلة بالظروف والأهداف من وراء إدخال العميل المجرم إلى مطار رفيق الحريري الدولي والخروج منه، إلى أحد الفنادق في العاصمة بيروت، محاطاً برعاية واضحة، من جهات ممسكة بالقرار الرسمي والسياسي، والمخابراتي، قبل التنبُّه إلى وجوده في العاصمة، حراً طليقاً، من دون سؤال أو حتى إزعاج؟!

هي المسألة الضاربة في عمق الانقسام الوطني، والمقاربات المختلفة، وسط غيوم سوداء تعصف بلبنان، من ناحية الاقتصاد، عبر الحصار المصرفي الأميركي المضروب على المصارف اللبنانية، على خلفية تطبيق القوانين الآيلة لمحاربة الإرهاب، وتجفيف منابع التمويل، للجهات الحزبية والعسكرية التي تصنفها الخارجية الأميركية بأنها «تنظيمات إرهابية» تحتاج إلى مكافحة، أو ملاحقة دائمة، على المستويات كافة..

من الخطأ، تبسيط الموقف، على نحو يفيد هذه الجهة أو تلك، القضية تذهب إلى أبعاد أشد خطورة، تتعلق والأهداف التي تقف وراء المساعي الجارية لتبيض سجلات العملاء الموقوفين، والأشد خطورة، في حقبة الاحتلال الإسرائيلي الطويل لجنوب لبنان، فضلاً عن اجتياح لبنان كلّه عام 1982، والوصول إلى العاصمة بيروت، كأول عاصمة يدخلها «جيش الاحتلال الاسرائيلي».

عقدان على دحر الاحتلال، أبعد من المعالجات البعيدة عن الأضواء، والتي شكلت تغريدة النائب السابق وليد جنبلاط أولى بوادرها لجهة الإعتراض على وصول العميل الخطير الفاخوري إلى لبنان، بعد نزع صفة العمالة، والإنتظام في جيش تحركه الذراع الإسرائيلية، أمعن قتلاً، واضطهاداً وإذلالاً لعشرات ومئات المناضلين الوطنيين ضد الاحتلال ورموزه، من «جيش لبنان الجنوبي» برئاسة سعد حداد إلى جيش أو ميلشيات لحد المعادية والمشغلة من قِبل جيش معادٍ، ومحتل لجزء عزيز من أرض الوطن اللبناني، هو الجنوب والبقاع الغربي، سجلت انتفاضة معتقلي الخيام أوّل مجابهة لفريق نافذ، يسعى إلى التصرُّف بمقدرات، تتجاوزه، وتتجاوز نظرته إلى الوضع اللبناني، أو الارتباطات الخارجية للبنان.

هذا الاعتراض المقاوم، على محاولات «تعويم العملاء» تحت اعتبارات متعددة، تارة بوصفهم مبعدون إلى إسرائيل، وتارة أخرى ان لديهم عيالاً وأولاداً يجب ان يعالج وضعهم، على خلفية «وجودهم في لبنان أفضل من وجودهم في اسرائيل» إلى آخر المعزوفات المرفوضة من الأوساط القومية والشعبية والمقاومة..

لا بدَّ وأن يأتي اليوم، الذي تتوضح فيه خيوط اللعبة القديمة- الجديدة، من أول خيط فيها إلى آخر  خيط مربوط بحسابات ومصالح بين الفردي والجماعي..

وبالانتظار، تنظر الأوساط المعنية إلى المحاكمة الجارية للعميل الموقوف، والظروف التي جاءت به إلى البلد، من زاوية إعادة النظر بأشياء كثيرة، قد يكون لها تأثيرها على الإستقرار العام، وإن بدت الجبهة المعنية بموضوع العملاء، متنبهة لمخاطر الذهاب بعيداً في التفسيرات والتأويلات، ما دام الأطراف التي توضع في دائرة «الفعل الاجرامي» لا تبدو ولو اندفاعة واحدة للدخول في سجالات، أو مرافعات أو تبنٍ للعملاء، ووجهة إيجاد الحل لهم..

وبانتظار التحقيقات وتبيان المرامي البعيدة والقريبة، فإن الحدث المتصل بالعميل اللحدي السابق، والموقوف في دائرة الادعاء والمحاكمة، من شأنه أن يكشف عن حجم الإختراقات، من الطائرتين المسيرتين، إلى التسيب الأمني، إلى جريمة وصول الفاخوري، والمستهدف بالتأكيد فريق، بهوية واضحة في الجغرافيا والدور والمستقبل..