كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
يُفترض أن يقدّم وزير الدفاع الياس بوصعب لمجلس الوزراء الثلثاء، الاستراتيجية المتكاملة لإدارة الحدود، التي وضعها الجيش اللبناني بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي بوصفه الجهة الرئيسية المموّلة لهذا المشروع. هذه الاستراتيجية التي تتفرّد “نداء الوطن” بالكشف عن جوهرها، كان قد انطلق الحديث عنها منذ العام 2006، وأنجزت اليوم بحيث يُعوّل عليها كي تعالج مشاكل كثيرة يعاني منها لبنان على حدوده.
يكاد لبنان يكون البلد الوحيد الذي تسند فيه مسؤولية حماية حدوده إلى أربعة أجهزة. في كل دول العالم تنحصر مهمة مراقبة الحدود وحمايتها في جهاز أمني واحد أو اثنين على الأكثر، إلا في لبنان، تناط هذه المهمة بكلّ من الجيش اللبناني، قوى الأمن الداخلي، الجمارك والأمن العام. ومن حيث المبدأ يشير مصدر أمني إلى أنّ “التعاون بين هذه الأجهزة منقوص في ما يختص بالحدود، ولا تبادل للمعلومات في ما بينها”. ما يعني أن أي جهاز يوقف متهماً، أو يتعقب مخالفة ما، يتكتم عليها ويحجم عن إبلاغ باقي الأجهزة بشأنها كي يثبت جدارته ولو تعدّى على صلاحيات غيره.
في أعقاب حرب تموز 2006 وصدور القرار الدولي رقم 1701، أثير الحديث عن مراقبة جميع الحدود اللبنانية وضبطها بشكل تام منعاً لدخول الأسلحة والممنوعات إلى داخل لبنان. استعانت الحكومة اللبنانية بالحكومة الألمانية ليتم وضع المشروع التجريبي لنظام الإدارة المتكاملة للحدود اللبنانية الشمالية بدايةً، لكنّ الجانب الألماني انسحب من المشروع الذي بقي قيد التداول حتى العام 2012 ودخول البريطانيين على الخط. يومها أصدرت الحكومة مرسوماً قضى بإنشاء لجنة وزارية لدراسة استراتيجية مراقبة الحدود فلم تقم باللازم، فأوكلت المهمة إلى الجيش اللبناني الذي أمّن وضع استراتيجية وطنية للإدارة المتكاملة للحدود، بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي عبر ممثلها في لبنان رئيس الخبراء التقنيّين في المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة فيل جونسون.
لا كلفة مالية
الخطة التي يؤكد المصدر الأمني “إعدادها بروحية الأجهزة الأمنية اللبنانية ورؤيتها، وبما يتوافق مع حاجات لبنان وأولوياته، ومن دون أن ترتب على الخزينة أي كلفة مالية” تهدف إلى “تسهيل المرور وإدارة الحدود وضبط التهريب والاتجار بالبشر، وإعداد خطط طوارئ لمعالجة الأحداث الطارئة بالتنسيق بين جميع الأجهزة المعنية”. تباطأ العمل في المشروع وتراجع مرات عدة “لا سيما مع خوض لبنان حربه في مواجهة “داعش”، الأمر الذي أخّر تنفيذ الاستراتيجية”.
رصد الاتحاد الاوروبي ميزانية محددة لتنفيذ الاستراتيجية على فترة ستة أعوام، على أن تشرف دول الاتحاد الأوروبي، المشاركة في إعداد الخطة، على تنفيذ مراحل المشروع وتطويره، بما في ذلك الإجراءات العملانية والتنسيق بين الأجهزة، في حين تموّل بريطانيا مراكز المراقبة. تركز الاستراتيجية على كلّ ما يتعلق بالحدود البرية والبحرية والجوية بهدف خلق آلية تعاون جديدة بين الأجهزة الأمنية وإيجاد وحدة قرار ومعلوماتية، وإنشاء غرفة عمليات مشتركة بين الأجهزة المعنية بموضوع الحدود لإدارة العمل وتأمين عملية تداول المعلومات في ما بينها بشكل مختلف عن السابق، والوصول إلى أعلى مستويات الاحتراف بالتدريب المتواصل لجميع الأجهزة على الانتشار على طول الحدود، وتحديد العديد والعتاد ومكان التمركز.
من اللجنة الى الجيش
انطلق المشروع في الأساس بناءً على مرسوم أصدرته الحكومة بإنشاء لجنة من الوزراء لدراسة استراتيجية لإدارة الحدود، لم تقم بعملها فأوكلت إلى قائد الجيش القيام بالمهمة، فأبقت المشروع قيد المتابعة مع مجموعة من الضباط المختصين. وقبل ثلاثة أشهر أعاد قائد الجيش جوزف عون تحريكه مجدّداً مع بعض الإضافات الاستراتيجية الموضوعة، ليتولى وزير الدفاع الياس بوصعب رفعه إلى مجلس الوزراء لإقراره وفق ما هو متفق عليه مع الاتحاد الأوروبي.
ووفقاً للدراسة التي أنجزت تم تقسيم استراتيجية الإدارة المتكاملة للحدود في لبنان إلى ثلاث مراحل. أنهت اللجنة المرحلتين الأولى والثانية منها وهما تتلخصان في الآتي:
تتضمن المرحلة الأولى خطة طوارئ للعمل في ما بين الأجهزة الأمنية المولجة الإشراف على الحدود اللبنانية، وكيفية التعاطي أو التعاون بين هذه الأجهزة في حال وقوع أي حادث طارئ في منطقة معينة على الحدود، وكيف يكون التجاوب من قبل كلّ من الجيش أو الأمن العام أو الدرك أو الجمارك، أي الأجهزة المعنية بالحدود. وتقوم بهذه الأعمال الطارئة فرقة من الضباط ممن خضعوا إلى دورات تدريبية على عملهم في الخارج، مموّلة من عدد من دول الاتحاد الأوروبي المساهمة في المشروع.
اما المرحلة الثانية فهي تعنى بإنشاء مركز لتدريب أفواج الحدود البرية في الجيش اللبناني وباقي الأجهزة الأمنية حول آلية التعاطي في المهمات الإنسانية بالدرجة الأولى، كأمور تتعلق بحقوق الإنسان لناحية المهاجرين عبر الحدود أو النازحين السوريين وبخاصة التهريب والاتجار بالبشر، خصوصاً وأنّ لبنان ملتزم في هذا الإطار بالقانون الدولي وهو وقّع على اتفاقيات دولية تلزمه التعاون في هذا المجال.
أما المرحلة الثالثة والأخيرة، والتي نحن في صددها، فتتعلق بتوقيع لبنان على هذه الاستراتيجية بعد إقرارها في مجلس الوزراء. وثمة لجنة تتولى التحضير لهذا الموضوع يرأسها من الجانب اللبناني عميد من الجيش اللبناني وتضم ضباطاً من مختلف الأجهزة الأمنية المعنية بالحدود وممثل الاتحاد الأوروبي فيل جونسون. ويفترض أن يلي التوقيع على هذه الاستراتيجية إعداد مذكرات تفاهم بين الأجهزة الأمنية، تنصّ على تبادل المعلومات المشتركة في ما بينها والتي تتعلق بالحدود البرية والبحرية والجوية.
برأي المصدر عينه فإن “لبنان بات مجبراً على توقيع هذه الاستراتيجية وإلا تصبح مصداقيته الدولية على المحك، خصوصاً وأن هناك دولاً عدة ترفض مساعدتنا في موضوع الحدود لعدم وجود خطة استراتيجية، ويعدّ إقرار هذه الخطة ضرورة كي يتمكن لبنان من تلقي المساعدات من الدول المانحة”.