صدرت في الأيام الأخيرة أكثر من دعوة لحزب القوات اللبنانية للاستقالة والانسحاب من الحكومة والتحول الى صفوف المعارضة، النائب في كتلة الكتائب الياس حنكش جدد الدعوة لحزب القوات للانضمام الى صفوف المعارضة، موحيا بأن قيام تعاون وتنسيق بين القوات والكتائب مشروط بمغادرة القوات للحكومة، متحدثا عن «ازدواجية في الدور الذي يلعبه حزب القوات حاليا، لا هم مقتنعون بها ولا قواعدهم خاصة وأنهم يصابون بالنكسة تلو الأخرى». ومعتبرا أن وضعهم صعب لأنهم لم يعودوا يحتملون البقاء في حكومة مماثلة ولا مغادرتها. النائب في «تكتل لبنان القوي» د.فريد البستاني رأى (في مقالة له) أن القوات وفقا لمنظورها تتضرر كثيرا من بقائها في حكومة فاشلة وفاسدة، كما تصفها. والحكومة في المقابل مصابة بالإنهاك والإشغال والإرباك بسبب وجود شريك في تكوينها وبين صفوفها، مهمته الوحيدة النقد المحكوم بالتشكيك واليأس واستثمار غير مجد للوقت والجهد. المطلوب أن تقتنع القوات بأنه آن أوان خروجها من الحكومة بما ومن تمثل، لأنه عمل وطني وديموقراطي كبير، سيقدم للبنان نموذجا حيويا للحياة السياسية. ودور المسيحيين في لبنان كان دائما ويجب أن يبقى تقديم نماذج جديدة وشجاعة لدفع التجربة الديموقراطية خطوة إلى الأمام. وها هي اللحظة تنادي القوات لهذه المهمة التاريخية، ليكتب لها قيادة أول معارضة برلمانية ديموقراطية.
هذه الدعوات الموجهة للقوات اللبنانية لقيادة المعارضة أو لتشكيل جبهة معارضة جديدة جاءت في أعقاب مجموعة مواقف ومؤشرات أوحت بأن القوات اللبنانية في صدد التحضير لاتخاذ قرار الخروج من الحكومة، وخصوصا بعد الخطاب الناري لرئيسها د.سمير جعجع في الأول من سبتمبر، والذي شن فيه اعنف هجوم على العهد ومن دون الفصل بين الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل، ومن دون تحييد رئيس الجمهورية هذه المرة. وترافق هذا الموقف السياسي مع موقف آخر سيادي لا يقل أهمية انفردت به القوات بين كل مكونات الحكومة، عندما تصدت لخطب ومواقف السيد حسن نصرالله ورفعت الصوت إزاء سياسة توريط لبنان في مواجهات وحروب لا يريدها شعبه ولا تخدم مصالحه، والسيطرة على قرار الحرب والسلم الذي يجب أن يبقى في يد الدولة حصرا.
هل الاستقالة من الحكومة والانتقال الى صفوف المعارضة خيار مطروح لدى القوات اللبنانية؟!
هذا واحد من خيارات متداولة خارج أوساط ودوائر القوات اللبنانية، من خصوم معروفين وحلفاء مفترضين يعتبرون أن القوات لا يمكنها أن تستمر في تموضعها الراهن الذي لا يتناسب مع سياستها المغردة خارج السرب الحكومي، والذي «يخسرها» سياسيا وشعبيا، إذ إنها تغطي سلطة ليست شريكة فيها بشكل فعلي، وتشارك في حكومة غير مقتنعة بأدائها وليست على موجة واحدة معها، وتتحمل فيها الغرم دون الغنم. وبالتالي لا يعود أمام القوات إلا الخروج من هذه المنطقة الرمادية والذهاب في أحد اتجاهين وخيارين «متضادين»:
٭ إما الاتفاق والتطبيع السياسي مع الرئيس ميشال عون، وتاليا مع التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل، كما فعل رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط أخيرا، الذي نفذ تموضعا جديدا وسريعا من دون أي إحراج وفي اتجاهين: بعبدا وحارة حريك.
٭ إما الخروج من الحكومة والانتقال الى صفوف المعارضة لقيادتها في إطار «جبهة جديدة» بدأت خيوطها تنسج عبر لقاءات ومجموعات متعددة في الأشهر الأخيرة.
أما بالنسبة للقوات اللبنانية، فإن رأيها في مجمل هذه الخيارات يفترض ويرجح أن يكون على الشكل التالي:
1 – خيار الاتفاق مع الرئيس عون محبذ من الأساس ومطلوب من خلفية أن القوات كانت مشاركة في انتخاب الرئيس عون ومساهمة أساسية في وصوله الى قصر بعبدا، ويهمها نجاح العهد ولها مصلحة في نجاح تجربة الرئيس القوي، خصوصا بعدما أثبتت أنها أدخلت تحسينا ملموسا على الواقع المسيحي في الحكم والدولة، وعلى التوازن الوطني.
وبذلت القوات جهودا في هذا الاتجاه لم تكن ناجحة، ولكنها لا تتحمل هي مسؤولية عدم النجاح، فهي لم تعامل كما يجب ولم تعط حقها وحجمها، وكل مرة كانت تحاول رفع الشكوى الى الرئيس عون لتصحيح الوضع، كانت تلقى الجواب نفسه بأن تحكي مع «جبران» وتتفق معه. في وقت تعتبر القوات أنها أبرمت اتفاق معراب مع الرئيس عون، وأن الوزير باسيل أدار ظهره لهذا الاتفاق ولم ينفذه، خصوصا لجهة تشكيل لجنة مشتركة.
2 – بالنسبة لخيار الخروج من الحكومة والانتقال الى المعارضة، فإنه ليس الخيار المناسب في هذا الوقت العصيب الذي يمر فيه لبنان من أخطار وتحديات اقتصادية وأمنية وفي حاجة ماسة الى التضامن والتماسك والاستقرار الداخلي. إضافة الى أن المعارضة لا تكون فعالة ومؤثرة إلا مع قوى أساسية شكلت نواة ومرتكز تحالف ١٤ آذار سابقا، وفي مقدمها تيار المستقبل والحزب الاشتراكي، ولكن لا يبدو أن الحريري راغب في المواجهة أو جاهز لها وقادر عليها، وأولوياته اقتصادية ومالية وسياسية تتطلب البقاء على رأس الحكومة، والبقاء على تفاهم مع عون وحزب الله. ولا يبدو أن جنبلاط في صدد مغادرة تموضعه الراهن الذي استقر فيه بعد معركة سياسية ضارية. وهكذا، فإن مشكلة القوات هي مع حلفائها بقدر ما هي مع خصومها.
3 – خيار البقاء في الحكومة يظل الخيار الأنسب والأفضل في هذه المرحلة، لأنه يتيح للقوات دور مراقبة عمل الحكومة وفضح ممارساتها الخاطئة، ورفع الصوت حيث يقتضي الأمر لتصويب المسار، حيث تعتبر القوات أن معركتها هي على جبهتين: الأولى داخل الدولة لوقف مسلسل الهدر والفساد وسرقة المال العام الذي بات يشكل مصدر النزف الأساسي، والثانية الى جانب الدولة لتثبيت سيادتها وحيازتها على قرار الحرب والسلم.
هناك في الوسط السياسي، ولدى هواة المقارنة، من يعتبر أن القوات اللبنانية لن تقدم على تكرار تجربة العام ٢٠١٤ عندما ظلت خارج حكومة الرئيس تمام سلام ورفضت مشاركة أتيحت لها، فظلت لسنتين وأكثر خارج مركز القرار وحكومة مفصلة على قياس ملء الفراغ الرئاسي. وهناك من يعتبر أن القوات لن تقدم على تكرار تجربة بداية التسعينات عندما لم توافق على المشاركة في حكومة الرئيس عمر كرامي، مكرسة خروجها من مرحلة تنفيذ الطائف (خصوصا مع مقاطعة الانتخابات النيابية)، ما أدى الى أن تصبح مكشوفة سياسيا ومستهدفة. أصحاب هذا الرأي يرون أوجه شبه بين ظروف وسيناريوهات اليوم والأمس القريب البعيد، مع فارق أن الوسائل والمعارك السياسية هي المعتمدة.