كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
أقفلت بورصة العاملات في الخدمة المنزلية في لبنان العام 2018 عن 180 ألفاً، بعدما أقفلت العام 2017 على 189 ألفاً و464 عاملة، بينهنّ 137 ألف عاملة أثيوبية و5980 سريلانكية و19 ألف فيليبينية. وبين هؤلاء من قُتلن أو قَتَلن أو انتحرن. فهل بيوتنا في أمان؟ وهل هنّ في أمان؟ وماذا في خفايا ملف الخادمات في المنازل في لبنان؟
احتفى الأثيوبيون في الحادي عشر من أيلول برأس السنة الجديدة، والتقت الأثيوبيات في دردشات كثيرة وسردن على بعضهنّ حكايات صبايا من بلادهنّ قضين نحبهنّ هنا. صلّين. وتحدثن هاتفياً مع “أستير” التي قررت أن تعود الى لبنان وهي اليوم تنتقل سراً في البراري بين أثيوبيا والسودان لأن الطريق الرسمي بين البلدين مقطوعة. ثم تحدثن عن تلك الفتاة التي ذُبحت في لبنان، على يدّ مخدومها، بعدما سقط طفله عن الشرفة. اتهمها بالفعل وذبحها. أخبارٌ وقصصٌ وروايات تسردنها بنات أثيوبيا على بعضهن ويوثقنها بفيديوات.
حالهنّ حال
هذه حالهنّ. ماذا عن حالنا؟ لماذا كلّ هذا اللغط في قطاع العاملات في الخدمة المنزلية؟ هل صحيح أن بعضهنّ يعانين من مشاكل نفسية ويتصرّفن بما لا يجوز أم أن الصحيح أن بعض اللبنانيين يعانون من أزمات نفسية ويسيئون لهنّ؟ وماذا عن تصنيف العاملين في هذا القطاع بالمافيا؟
للعاملات في الخدمة المنزلية نقيبب غير معترف به رسميا هو كاسترو عبدالله ولأصحاب مكاتب إستخدام العاملات في الخدمة المنزلية نقيب هو علي الأمين. فلنسأل الأمين: هل سيُفتح الباب مجددا أمام قدوم عاملات أثيوبيات؟ هل سيُسمح بقدوم عاملات سريلانكيات أيضا ونيباليات؟ يجيب النقيب: أنهينا مسألة الخادمات من الجنسية الأثيوبية بعدما حصل وزير العمل على تفويض من مجلس الوزراء للتوقيع على الإتفاقية وبلغنا الجانب الأثيوبي الذي لم يحدد بعد موعد التوقيع. ويستطرد: تأخرنا أعواماً والآن ما عاد هناك أي سبب للتأخير.
هل قدم لبنان تنازلات في هذا المجال؟ لا، ليس تنازلات بقدر ما هو تطبيق بنود مذكرة التفاهم التي تحدد ساعات العمل والفرص الأسبوعية والسنوية. هل نفهم من هذا أن العاملة الأثيوبية ستنال بعد توقيع الإتفاق عطلة سنوية أيضا؟ يجيب النقيب: إما عطلة أو أجرة نصف راتب ويوم عطلة أسبوعيا، قد يكون يوم الأحد أو أي يوم آخر.
سريلانكا مؤجلة
في انتظار الإنتهاء من ملف العاملات الأثيوبيات، ماذا عن بقية الملفات؟ عن ملف نيبال والفيليبين وسريلانكا؟ يجيب الأمين: ليس هناك طلب كثيف على سريلانكا لأن الخادمة الآتية من هناك مكلفة وتتقاضى 300 دولار شهريا. ونحن نعمل حالياً على الخادمات من نيبال والفيليبين. ويستطرد: مشكلتنا الأساسية الملف الأثيوبي لأن الطلب اللبناني على هذه “الجنسية” متزايد وشخصيات البنات محبوبة.
ما رأي نقيب العاملات في الخدمة المنزلية كاسترو عبدالله؟ يجيب: لدينا أكثر من 250 ألف خادمة في لبنان. وفي أيام وزير العمل السابق محمد كبارة تعرضت كثير من الفتيات الى الغش. وأتى وزير العمل الأثيوبي لرؤية وزير العمل اللبناني فلم يقابله بل ترك الموضوع الى المدير العام جورج إيدا والى مستشاره وهو عميد متقاعد من آل كباره. وهذا ما أزعج الوزير الأثيوبي.
يتركز التعاون اليوم مع عاملات من جنسيات السينغال وتوغو ومدغشقر. كاسترو لا يكف عن المطالبة بإلغاء نظام الكفالة وبالسماح للعاملات بالنوم خارج بيوت المخدومين وبعطلٍ أسبوعية… لكن، كيف يُسمح بكل هذا الى فتيات، آتيات من ريف دول نائية، لا يفقهن من لبنان شيئا، ولا يعرفن حتى بوجود سيارة ودراجة وحنفية؟ ألا يسيء هذا إليهن بدل أن يفيدهن؟ يجيب: نعلم أن فتيات كثيرات يأتين من الأرياف وهنّ، في أثيوبيا وحدها، يتكلمنّ 83 لغة ولا يفهمن حتى على بعضهن. لكننا ننشط في اتجاه تعليمهن، في دورات تقام في نهاية كل أسبوع، اللغات الثلاث العربية والفرنسية والإنكليزية وإخبارهنّ عن حقوقهن. وهذا حقهنّ.
نعود الى نقيب أصحاب مكاتب إستخدام العاملات لنسأله عن رأيه بالأصوات التي تصدر منددة بنساءٍ لبنانيات يسئن الى عاملات أجنبيات: فهل بنات لبناننا هنّ حقاً بلا رأفة أم أن الموضوع مبالغ به أحياناً؟ وماذا عن عدد مكاتب الإستخدام الشرعية؟ يجيب: يوجد في لبنان 590 مكتبا رسمياً ومرخصاً. وثمة مكاتب غير مرخصة تسبب خطراً هائلا على القطاع. ونحن نطالب وزارة العمل بالتدخل لقمعِ الطارئين على القطاع. نحن نعمل في مجال يحتاج الى كثير من الإنسانية لا الى أشخاص لديهم عقلية سماسرة.
الوضع كارثي
القطاع يمرّ في مرحلة صعبة جداً. مكاتب إستخدام العاملات الأجنبيات “بلا عمل” تقريباً. والوضع بحسب نقيب تلك المكاتب “كارثي”. وسبب هذا إستمرار حظر بعض الدول وعدم سهولة الإستخدام.
كاسترو عبدالله لديه رأي آخر: يوجد 650 مكتباً لاستقدام الخادمات الأجنبيات. وهناك سماسرة يزيد عددهم عن عدد المكاتب الشرعية بثلاث مرات. وهناك عاملات في وزارات للدولة جمّدن مبلغ خمسين مليون ليرة وأخذن رخصة إستقدام خادمات من وزارة العمل وأجّرنها الى سماسرة بثلاثة ملايين ليرة شهرياً. هناك مسائل كثيرة تجري تحت الطاولة في هذا القطاع.
يعود نقيب أصحاب المكاتب الى الإتهامات التي تصدر في حقّ لبنانيات يتعاملن بقسوة مع عاملات أجنبيات قائلا: مشكلتنا هي مع الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تدعي الحفاظ على العاملات. وهي تقيم المؤتمرات الضخمة في أفخم الفنادق وتأتي بخبراء أجانب لا يفقهون من بيئة لبنان شيئا ليتكلموا في ما لا يعرفونه ويعظون في أمور إنسانية. وكل هذا في سبيل الحصول على تمويل خارجي. هذا استثمار. فليطلبوا من خبراء في وزارة العمل متابعة الموضوع.
الكلام في الموضوع كثير. لكن، لماذا لا تتدخل الدولة فعلياً وعملياً في الموضوع؟ لماذا لا تغلق المكاتب غير الشرعية ولماذا لا توقف الخادمات الهاربات التي يُرجح أن يزيد عددهن على عشرين ألفا؟
لا أحد يريد الدخول في دهاليز الدولة. هذا أكيد.
تسع حالات إنتحار
سؤالٌ يطرح، ماذا عن الحالة النفسية التي تمرّ فيها الخادمات العاملات في الخدمة المنزلية في لبنان؟
هناك معلومات عن انتحار أو محاولة إنتحار تسع عاملات أجنبيات أسبوعيا في لبنان. رقم مرتفع. وسبق وأعلنت وزارة الصحة في لبنان أن العاملات الأجنبيات هنّ أكثر الفئات التي تحتاج الى العلاج النفسي. ما رأي علي الأمين؟ يجيب: لا “داتا” رسمية لدينا عن عدد حالات الإنتحار.
نضع نقطة لكننا لم نقفل الملف. وللبحث صلة.