IMLebanon

بين الفاخوري وعياش.. العدالة المبتورة لا تبني أوطانا!

لم يعلُ اي صوت في الوسط السياسي او الشعبي اللبناني مدافعا عن العميل عامر الفاخوري أو معترضا على عملية سوقه مجددا امام العدالة وحتى توقيفه مع محاسبة من سهّل عودته ودخوله الى لبنان، بل على العكس. فالكل أجمع على ان الرجل الذي نكّل بمواطنيه وعذّبهم على مر سنوات في معتقل الخيام في الجنوب، ووضع يده بيد العدو، يستحق أشد عقاب، وما اقترفه من “خطايا” لا ولن يمحو آثاره عاملُ “مرور الوقت”. وسط هذه الاجواء، صدر أمس القرار الاتهامي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في ثلاث قضايا متلازمة ومترابطة مع قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ‏ورفاقه، وهي محاولة اغتيال حماده ومحاولة اغتيال الوزير السابق الياس المر واغتيال الامين العام السابق للحزب ‏الشيوعي جورج حاوي، وجاء فيه ان المتهم ‏الاساسي بهذه الجرائم ومنسق تنفيذها كما في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري هو سليم جميل عياش. وقد أصدر قاضي الإجراءات التمهيدية مذكرة توقيف موجهة إلى السلطات اللبنانية لتنفيذها ومذكرة توقيف دولية في ‏حق عياش‎.‎ وجاء في القرار الاتهامي أن المتهم عياش “وهو من مؤيدي حزب الله ومصطفى بدر الدين الذي توفي في سوريا مع ‏آخرين مجهولي الهوية وافقوا على تفجير العبوات الثلاث الناسفة التي تم تفجيرها في اماكن عامة ضد شخصيات ‏لبنانية بارزة (…)”.

تورد مصادر سياسية سيادية هذين الحدثين، لتقيم مقارنة بينهما. فهي تعبّر عبر “المركزية” عن أسفها لكون الإجماع الذي يتجلى في الملف الاول، لا يظهر في الثاني. فاذا كان الفاخوري عميلا ألحق الاذى بلبنانيين عزّل، فإن المجموعة التي قتلت عشرات الشهداء على مدى سنوات، بدم بارد، منذ شباط 2005، اقترفت الجرم عينه، والعبواتُ الناسفة التي زرعتها على الاراضي اللبنانية لم تود فقط بشخصيات وقيادات سياسية بل أسقطت معها في كل مرة، مواطنين عزّل صودف مرورهم في مكان الانفجار في اللحظة القاتلة.

رغم ذلك، تتابع المصادر، لا يزال فريق من اللبنانيين يرفض التعاون مع المحكمة الدولية وهو لا يعير قراراتها وعملها أية أهمية بل ويعتبرها غير ذي قيمة و”مبذّرة” لاموال الخزينة اللبنانية. لكن هذا الطرف لا يتوقّف هنا. فهو يعتبر الاشخاص الخمسة الذين وجهت اليهم المحكمة التهم بإعداد وتنفيذ عمليات الاغتيال، “قديسين”، وقد استخدم الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله شخصيا، هذا التوصيف إبان صدور الحكم على العناصر الخمسة المنتمين الى الحزب منذ سنوات، مشككا في دور المحكمة ووظيفتها ونزاهتها، ومعتبرا انها أداة في يد الاميركيين والغرب للانقضاض على “الحزب” وكل من يواجه واشنطن.

ومع ان المحكمة أوردت وقائع وأدلّة حسّية علمية، لاثبات اتهامها، وفتحت الباب واسعا امام المتهمين للدفاع عن انفسهم وقد أفردت لهم فريقا دفاعيا عريضا، فإن الحزب ليس في وارد التجاوب مع لاهاي ولن يسلّم أيا من المطلوبين، على حد ما أكد ويؤكد مسؤولوه. ويضاف هذا التصلب الى اصراره وقوى 8 آذار على التطبيع مع النظام السوري الذي نكّل، تماما كما الفاخوري، في مراكز استخباراته وأقبيته في لبنان ودمشق، بعشرات اللبنانيين الذين عارضوا احتلاله لبنان، وهو لا يزال يمتنع عن اعطاء اية معلومات عن عشرات المخفيين في سجونه.

فهل ثمة “عمالة” بسمنة وعمالة بزيت؟ وهل يختلف “وجع” معتقلي الخيام عن “وجع” المعتلقين في سوريا و”البوريفاج” وعمّن قتلوا او “شُوّهوا” جراء عمليات الاغتيال؟ وبعد، هل تُبنى الاوطان بعدالة “مبتورة” لا تطبّق الا على جزء واحد من اللبنانيين يحدد معاييرَها “الاقوى”، سياسيا وعسكريا؟ قطعا لا، تجيب المصادر، وما لم يُسمح بتضميد “جراح” الماضي كلّها، عبر عدالة شاملة كاملة، فإنها ستبقى تنزف، مانعة توجّه لبنان نحو مستقبل سليم وواعد…