كتب حبيب معلوف في صحيفة “الأخبار”:
مشروع تعديل المرسوم التنظيمي والمخطط التوجيهي للمقالع والكسارات الذي يطرح على مجلس الوزراء اليوم لا يحقق نقلة ثورية في إدارة هذا القطاع. صحيح انه يقترح، للمرة الأولى، فتح باب الاستيراد للبحص والرمل، الا انه لم يغلق الباب أمام إعادة السماح بالعمل في استثمارات غير مرخصة وفي أماكن خارج المخطط التوجيهي بحجة تأهيل هذه المواقع. أما حصر الاستثمار في السلسلة الشرقية، فتخرقه «الاستثناءات» لـ«المشاريع الكبرى»، ما يبقي باب التنفيعات والمخالفات مشرّعاً!
يعرض على مجلس الوزراء، اليوم، مشروع تعديل المرسوم التنظيمي والمخطط التوجيهي للمقالع والكسارات كما اقترحته وزارة البيئة وعدلته اللجنة الوزارية ومجلس شورى الدولة.
ارفقت بالتعديلات المقترحة على المرسوم معلومات مرجعية عن الاسعار واعداد المقالع والمساحات (غير الرسمية) ومعدل الكلفة المقدرة للتأهيل ومتوسط الكلفة السنوية للتدهور البيئي الناتج عن هذا القطاع (610 ملايين دولار بحسب ارقام العام 2018). الا أنه لم يحدد مدى الخسارة الحقيقية التي لحقت بالاقتصاد والبيئة منذ إجراء آخر تعديل على المرسوم التنظيمي عام 2002، بسبب عدم تنظيم هذا الملف واستيفاء الرسوم على عمله غير القانوني والتي تتجاوز قيمتها خمسة مليارات دولار.
تحدد التعديلات على المرسوم التنظيمي المواقع التي يجوز الترخيص فيها لإنشاء واستثمار محافر الرمل الصناعي وأنواع المقالع التالية: مقالع وكسارات لزوم شركات صناعة الترابة، مقالع وكسارات صخور لانتاج البحص، مقالع صخور لزوم المشاريع الكبرى (السدود والمرافئ والمطارات الساحلية والطرق البحرية)، مرفقة بخريطة تحدّد هذه المواقع (في السلسلة الشرقية والسفح الشرقي للسلسلة الغربية). الا أن هذه «الحصرية تخرقها إجازة المرسوم نفسه إنشاء واستثمار مقالع وكسارات في مناطق غير مشمولة في المخطط، شرط «توفر المعايير والشروط المحددة في المرسوم» (بما فيها الامتثال لأحكام المرسوم رقم 8633 تاريخ 7/8/2012 واصول تقييم الأثر البيئي).
التعديل يقترح، للمرة الأولى، فتح باب الاستيراد للبحص والرمل والمواد لزوم صناعة الترابة من دون رسوم جمركية (ضمن المواصفات الوطنية اللبنانية)، الا انه لم يغلق الباب أمام ما يسمى «الاستثمار التأهيلي»، أي اعادة السماح بالعمل في استثمارات غير مرخصة وفي أماكن خارج المخطط التوجيهي بحجة تأهيل هذه المواقع.
والواقع أن تعبيرَي «المشاريع الكبرى» و«الاستثمار التأهيلي» اثنان من أبرز ثغرات المرسوم بما قد يؤدي إلى نسفه من أساسه، إذ إنه يستثني المقالع التي تعمل لمصلحة المشاريع الكبرى، على أن «يخضع انشاؤها واستثمارها لشروط خاصة، بحيث تستخرج المواد داخل مواقع هذه المشاريع حيث أمكن، وتغطى الحاجة الى المواد الاضافية من مواقع يقترحها أصحاب المشاريع، ويبتّها المجلس الوطني للمقالع، وفق الشروط المحددة في المرسوم. وتعطى الأفضلية لاستثمار المواقع المشوهة (اي المكبات العشوائية والمقالع القائمة) الأقرب الى مواقع المشاريع الكبرى عن طريق استثمار تأهيلي. أما في حال توافر فائض في المواد (ناتج عن حفريات المشروع)، فيقترح أصحاب المشاريع التصريف الانسب لهذه المواد، على ان يقترن الاقتراح بموافقة المجلس الوطني للمقالع حسب الأصول».
وهذا الاستثناء هو الأخطر في هذا القطاع، اذ لم يأت بعد دراسة عميقة للحاجات الوطنية ولا بعد وضع استراتيجية شاملة للتنمية المستدامة تحدد فيها سياسات النقل والمياه والحاجات الحقيقية. كما أنه يفتح الباب واسعا أمام سوء الاستخدام وتغطية أعمال التشويه والتدمير.
غياب المواصفات والمعايير
المرسوم المعدل لا يزال يتضمن مصطلحات مشكوكاً في صحتها، لا سيما عندما يسمح بالترخيص لانشاء واستثمار مقالع وكسارات لصناعة «بحص الموزاييك» و«البازلت» و«البحص المفتت طبيعياً»… فيما لا تزال هذه التسميات (لا سيما «البحص المفتت») تفتقر الى تحديد معاييرها ومواصفاتها، وبالتالي يمكن الالتفاف عليها لاستمرار أي كسارة في عملها التقليدي.
يقترح المرسوم، للمرة الأولى، فتح باب الاستيراد للبحص والرمل ومواد صناعة الترابة من دون رسوم جمركية
ويعطي المرسوم المواقع الواقعة على املاك عامة او خاصة للدولة او مشاعاتها وأملاك البلديات والاراضي الأميرية اهمية خاصة، إذ ينص على تنظيم وزارات المال والبيئة والداخلية والبلديات والاشغال خرائط فرز لهذه المواقع، وتخطيط وتنفيذ الطرق التي تؤدي اليها، واجراء مزايدة على استثمارها على اساس رسم مالي محدد لكل متر مكعب مستخرج. وهي اجراءات مهمة لمنع الاحتكار وتعزيز خزينة الدولة خصوصا مع تخصيص قسم من الايرادات لتحسين الطرق ووسائل النقل الاخرى التي ستستخدم لتنفيذ هذا المخطط… الا أن التعديلات لا تصل الى حد حصر الاستثمار في أملاك الدولة أو أملاك مصرف لبنان لتكون الخزينة المستفيد الأكبر من عائدات هذا القطاع.
مهل التأهيل
تميّز التعديلات المقترحة بين مواقع المقالع القائمة، العاملة وغير العاملة، والمرخصة وغير المرخصة. المواقع الحائزة تراخيص يتقدم أصحابها من المجلس الوطني للمقالع بخطة تأهيل، ولا تبدأ أي اعمال قبل موافقة وزارة البيئة وصدور الترخيص، وتحدد المهلة القصوى لاي تأهيل في 21/3/2021، على أن تحدد قيمة الكفالة المصرفية المطلوبة من المجلس الوطني للمقالع، مع العلم بأن موضوع التأهيل كان يحتاج الى دراسة أعمق من خلفية قانونية وفنية في آن واحد، لا سيما أن الاستثمارات المرخصة وغير المرخصة كانت تخالف ابسط الشروط وتركت تشوهات قد يستحيل إصلاحها أو اعادة تأهيلها.
كما يقضي المرسوم بتوجه وزارة البيئة إنذارات لاصحاب المقالع غير المرخصة (1330 مقلعاً) للمطالبة بتعويضات عن أضرار لاحقة بالبيئة، مع العلم بأن المرسوم المرعي الاجراء قبل التعديل كان يسمح للوزارة بالقيام بذلك، إلا أنها لم تفعل!
مواقع شركات الترابة
يمنح المرسوم اصحاب هذه المقالع وشركات الترابة مهلة ثلاثة اشهر، لإعداد مخطط لتأهيل المواقع المستثمرة (السابقة والحالية) وفقاً لجدول زمني محدد لا يتجاوز سنتين. ويصار، بعد استطلاع رأي المجالس البلدية والقائمقامين في حال عدم وجود بلديات في المناطق المعنية وموافقة وزارة البيئة، الى منح التراخيص اللازمة للاستثمار التأهيلي لمدة سنة، على أن تجري وزارة البيئة كشفاً دورياً، فنياً وبيئياً، حول مدى التزام الشركات بالمخطط، قبل تجديد التراخيص.
ويعني ذلك منح مهلة إضافية لشركات الترابة للعمل رغم الاعتراضات الأهلية الواسعة، علماً بأن هذه الشركات التي طلبت فترة سماح لمدة خمس سنوات اضافية يفترض ان تكون قد أنجزت مخططات التأهيل منذ مدة!
أما المواقع الاخرى (غير المرتبطة بشركات الترابة)، فعلى اصحابها التقدم من المجلس الوطني للمقالع بخطة تأهيل، وتنال الترخيص بعد موافقة وزارة البيئة، على ان تحصر المرحلة الاولى (3 – 6 اشهر) من الترخيص بنقل أيّ ستوكات بحص أو صخر موجودة في الموقع بموجب رخص تصدر عن وزارة الداخلية والبلديات بالتنسيق مع وزارة البيئة.
عملياً، وفي تفسير سريع لهذا التعديل، يمنح النص المقترح المخالفين مهلة سنة ونصف سنة اضافية، من دون أن تحدد المواقع القابلة أو غير القابلة للتأهيل، علماً بأن معظم المواقع هي من الصنف الثاني. وكان يفترض بالمقترحات أن تفصل بين التأهيل والسماح بالاستثمار بحسب الأصول، مع إعداد الملفات القانونية اللازمة للادعاء على المشوهين والمتهربين من دفع الرسوم والضرائب طوال السنوات الماضية. كذلك يُخشى، كالعادة، استغلال السماح بنقل الستوكات للاستمرار في الاعمال المخالفة سراً كما يجري دائماً.
من يمنح التراخيص؟ ومن يراقب؟
يخضع إنشاء واستثمار محافر الرمل والمقالع والكسارات وتأهيلها لترخيص مسبق يصدر عن المحافظ بناءً على موافقة المجلس الوطني للمقالع وفق الشروط المحددة في المرسوم. أما الكسارات الصغيرة والكسارات لزوم تدوير ناتج ما، فيجب ان تكون المؤسسات المعنية حاصلة على ترخيص انشاء واستثمار بحسب الاصول. تحدد مهلة بتّ الترخيص بثلاثة اشهر من تاريخ تسجيل الملف، على ان «لا تصدر الرخص عن المحافظين قبل دفع كامل الرسوم المستحقة»، فيما «يلغى الترخيص حكماً في حال مخالفة الشروط المحددة، من دون ان تترتب على ذلك اية حقوق مكتسبة». وتوضح التعديلات ان «كل موافقة تصدر عن المجلس الوطني للمقالع بالترخيص لمحفار رمل او مقلع او كسارة تشمل ضمناً الموافقة على النقل. وتحدد الية تنظيم اعمال النقل، بما في ذلك انموذج دفتر الايصالات بارقام تسلسلية بقرار يصدر عن وزير المالية. كما تحدد شروط النقل لجهة اوقات السير وخطوطه، والحمولة وغيرها بقرارات تصدر عن وزير الداخلية والبلديات. وتحدد شروط استخدام تقنيات التفجير بقرار يصدر عن وزير الدفاع الوطني، وتتولى قيادة الجيش الاشراف على حسن تنفيذه».
وفي ما يتعلق بالمراقبة، فتحدد «بقرار مشترك يصدر عن وزيري الداخلية والبلديات والبيئة، على ان يضم فريق المراقبة البلديات المعنية وتلك الملاصقة لمواقع الاستثمار التأهيلي في ما يعود لشركات الترابة، والمجتمع المدني والقطاع الاكاديمي في حال اهتمامهما، واَّي جهة أخرى ترتئيها الوزارتان»، مع العلم بأن تحديد اسس المراقبة لا يزال يحتاج الى توضيح، لا سيما حول كيفية اختيار المراقبين والاليات… الخ.
أما في ما يتعلق بالعقوبات على المخالفين، فلم تحصل تعديلات مهمة، اذ «يعاقب مستثمر كل مقلع دون ترخيص او بعد انتهاء مدة الترخيص او بعد صدور قرار انتهاء الاشغال واقفال المقلع او رغم صدور القرار بالتوقيف المؤقت عن العمل بالحبس من شهرين الى سنة وبغرامة تراوح بين مئة مليون ومئتي مليون ليرة لبنانية او باحدى هاتين العقوبتين. وفي حال التكرار تضاعف العقوبة ويمكن ان يتضمن قرار المحكمة سحب الترخيص مؤقتاً او نهائياً ومصادرة المعدات او الآليات او بعضها. ولا يحول الحكم المذكور دون حق الادارة بمطالبة المستثمر باعادة تأهيل المقلع على نفقته. وكل مخالفة لباقي احكام هذا المرسوم او لشروط الترخيص وكل تزوير في المعاملات المقدمة من الادارة من قبل اصحاب الاستثمارات، يعاقب عليها بالحبس من شهر الى ستة اشهر او بغرامة من خمسة وعشرين مليون الى خمسة وسبعين مليون ليرة لبنانية او باحدى هاتين العقوبتين وتضاعف العقوبة في حال التكرار». مع العلم أن عقوبة التزوير في المستندات كان يجب أن تكون اكبر!
البلديات ام مجلس الوزراء؟
ان رأي البلدية المختصة، او القائمقام في حال عدم وجود بلدية، المشار اليه في المادة السابعة من المرسوم، يقصد به رأي البلديات التي يقع مشروع الاستثمار في نطاقها. تعلم هذه البلديات او المخاتير الجمهور عن طلب ببلاغات تلصق على ابوابها وتتلقى الاعتراضات من المقيمين ضمن النطاق البلدي او على مسافة 3000م. و«يكون قرار المجلس البلدي المختص، في حال عدم الموافقة، معللاً وملزماً. وفي حال اختلاف الرأي بين المجلس البلدي والمجلس الوطني للمقالع، يعرض الموضوع على مجلس الوزراء للبت به».
الرسوم والبدلات
تحدّد الرسوم وبدلات الاستثمار بقرار يصدر عن وزير المالية بناء على تقرير يضعه المجلس الوطني للمقالع لكل محفار رمل ومقلع وكسارة. ويستوفى الرسم لصالح البلدية المختصة ضمن النطاق البلدي او لصالح الصندوق البلدي المستقل في القرى التي ليس فيها بلديات او لصالح صندوق الخزينة او الاملاك العائدة للدولة والتي تديرها وزارة المالية عن كل متر مكعب مستخرج من ارض محفار الرمل او المقلع او منتج عن اي نوع من الكسارات في حال عدم وجود مقلع.