كتبت رلى إبراهيم في صحيفة “الأخبار”:
بدأ الأمر عقب انتهاء الانتخابات النيابية والانتقال إلى تشكيل حكومة جديدة. يومها، كانت القوات اللبنانية تحتلّ قائمة الفائزين أو المضاعفين لربحهم النيابي، وكانت تسير المفاوضات مع رئيس الحكومة سعد الحريري لحصول رئيس الحزب سمير جعجع على 5 حقائب وزارية، تقلصت لتصبح أربع حقائب، بينها وزارة العدل، وانتهت بأربع من دون العدل. عملياً، يقول أحد المطلعين على مسار المفاوضات: «ربحت القوات أربع حقائب، ولكن خسرت «الثقل» عبر فتح جبهة مجانية في وجه رئيس الجمهورية ميشال عون، عملاً بنصيحة النائبة ستريدا جعجع، لشدّ العصب القواتي: «يضحك كثيراً من يضحك أخيراً». ضحك عون آخراً. هي ليست المرة الأولى التي يعتمد فيها جعجع هذه الاستراتيجية، ظناً منه أنها ستوفر له ربحاً إضافياً، وإذا به ينتهي بفشل آخر. لكنها المرة الأولى التي يوصل نفسه إلى العزل، لا لأن الآخرين تكتلوا ضده، بل لأنه قطع كل طرق العودة مع كل حلفائه.
قبيل اختطاف رئيس الحكومة سعد الحريري في الرياض أو بعده بقليل، وقف رئيس المجلس نبيه بري في وجه عزل الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل لجعجع. لم تكن علاقة حركة أمل والقوات علاقة سياسية بين حزبين، ولو أنها حملت تنسيقاً ما بواسطة النائب جورج عدوان والوزير السابق ملحم رياشي. وبري وفّر فسحة لجعجع من أجل تقوية موقعه السياسي، في إطار الردّ على سوء العلاقة بينه وبين باسيل. كان يمكن جعجع إعطاء دفعة جدية لالتقاء المصالح بينها وبين بري، عبر انتخابه رئيساً للمجلس، ولو بورقتين اثنتين، فاختار الورقة البيضاء. قبل ذلك، أسقطت معراب حليفها الأساسي، سعد الحريري، منذ خروج جعجع من السجن. لا أحد من تيار المستقبل يملك تبريراً حقيقياً لمشاركة القوات في خطة عزل الحريري وإقالته. رغم ذلك، تلاقت مصالح الحزبين مجدداً عقب اجتماع وزراء تكتل لبنان القوي الشهير في وزارة الخارجية برئاسة باسيل، وما اعتبره الحريري تعدياً على صلاحيات رئاسة الحكومة. عُقد لقاء المصالحة بين جعجع والحريري في بيت الوسط، وما لبث رئيس القوات أن بدّده بهجوم على تيار المستقبل خلال إقرار الموازنة. هنا أيضاً، يشير أحد النواب القواتيين، كان يمكن جعجع بيع الحريري صوتين، لا لمصلحة الموازنة، بل من مبدأ الثقة برئيس الحكومة، ولفتح صفحة سياسية جديدة، لكنه بدّدها سريعاً. «لا حاجة للتيار الوطني الحر لمحاصرة القوات كما يقولون، فمعراب تتكلف بالأمر بنفسها»، يعلّق أحد الورزاء العونيين… «لسنا من سحب حلفاء جعجع منه، بل هو الذي دفعهم باتجاهنا».
الاشتراكي يطعن القوات
تختلف علاقة رئيس القوات برئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط عن علاقته بالحريري. في الحلف الثاني، غالباً ما يطعن جعجع ببيت الوسط، بينما لا يفوّت جنبلاط مناسبة إلا ويلقي فيها بجعجع من الجبل، فيعود ويجده إلى يمينه ومستعداً للاستقالة من الحكومة كرمى له. إذ تقول المصادر القواتية إن «معراب وضعت وزراءها بتصرف الحزب الاشتراكي عقب حادثة قبرشمون». لكن سرعان ما ذهب جنبلاط إلى مصالحة التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية وحيداً، ملقياً بالقوات مجدداً. نهضت معراب مرة أخرى، وقرر زعيمها زيارة الجبل والبيت الجنبلاطي. عشية الزيارة، كان النائب تيمور جنبلاط يشرب كأس باسيل في منزله في اللقلوق. قبيل ذلك بكثير، أي خلال جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، اعتبر جنبلاط أن وصول جعجع إلى سدة الرئاسة بمثابة إشعال حرب أهلية.
جبور: تحالفنا مع جنبلاط والحريري وثيق، رغم التباينات، لأنه يؤمّن التوازن الاستراتيجي بوجه حزب الله
«هو الأداء السياسي العاطل»، وفقاً للبعض، «والفريق المحيط بجعجع الذي يسقطه عند كل أزمة سياسية». الأمر الذي ينفيه رئيس جهاز الإعلام والتواصل في القوات اللبنانية شارل جبور، مفنّداً علاقة القوات بحلفائها. فلكل «تقاطع ظروفه وضروراته، والأهم تعاطي القوات من خلال مبدئية سياسية يفترض أن تدفع بالقوى السياسية لتقديرها واحترام خياراتها. فالقوات لم تقترع لبري في عام 2005 ولا 2009 ولا 2018 بسبب اختلاف التموضع الاستراتيجي بينهما، وعلى رأسه سلاح حزب الله، لكنها تتقاطع وبري في الكثير من الرؤى السياسية المحلية». ويشير جبور إلى «حضور بعض النواب جلسات بري الأسبوعية. يقابله حرص رئيس مجلس النواب على عدم الوقوف في وجه القوات وشرحه مثلاً أن المستقبل والتيار هما من حاربانا في المجلس الدستوري». «نتعاطى مع بري كقوة سياسية قائمة والالتقاء موجود ببعض الملفات». فيما «التبايانات مع الحريري لا تفسد للودّ قضية، ووقوفنا ضد الموازنة يخدم رئيس الحكومة، إذ رفضنا الترقيع، وطالبنا بإصلاحات بنيوية. نحن في مرحلة تستدعي عدم المسايرة، ولو كانت الموازنة إصلاحية لما احتجنا إلى لقاء اقتصادي». ويشير جبور إلى أن «خيارات الاشتراكي الاستراتيجية تغيرت بعد 7 أيار من لبنان أولا إلى الدروز أولاً. لذلك يضطر إلى توسيع مروحته السياسية من دون أن يؤثر ذلك بشراكتنا الثابتة. ندرك جيداً أن كسر وليد جنبلاط كما أريد عقب حادثة قبرشمون ينعكس خطراً وجودياً على القوات والمستقبل، لذلك تحالفنا وثيق نحن الثلاثة ويؤمن التوازن الاستراتيجي بوجه حزب الله».