تركزت الأنظار مؤخرا على السعودية في ضوء الهجوم على معملين نفطيين في مناطقها الشرقية منتظرة ما ستقوم به لإسعاف إنتاجها النفطي وبالتالي إنقاذ الاقتصاد العالمي.
وبطبيعة الحال بمقدور السعودية أن تزيل “آثار العدوان” وأن تحتوي الفجوة الناجمة عن هذا الهجوم الكبير، وكذلك تعويض خسائرها وإعادة المياه إلى مجاريها بعد بعض الوقت، لكن مثل هذا الوضع يطرح أسئلة هامة حول مستقبل المملكة الاقتصادي، وعن الخيارات التي يمكن أن تلجأ إليها للتخلص من تبعية اقتصادها الثقيلة لمصادر الطاقة، وصولا إلى التمهيد لعصر ما بعد النفط.
مثل هذا التساؤل يتردد في السعودية بكثرة خاصة في السنوات الأخيرة مع بروز ولي العهد محمد بن سلمان ومشروعه الطموح رؤية السعودية 2030.
ويمكن الإشارة هنا إلى أن المملكة تتمتع بمقومات عديدة يمكن أن تستغل لبناء اقتصادات واعدة، فمساحاتها شاسعة وإن كان معظمها صحراوي، لكنها تكتنز ثروات معدنية عديدة بعضها لا يقل أهمية عن النفط، الثروة الآيلة للنضوب، ليس فقط بسبب عمليات الاستغلال والاستنزاف المتواصلة منذ عشرات السنين، بل ولظهور بدائل قد تعجل بالاستغناء عنه مع توفر كميات منه في باطن الأرض.
المملكة وهي في مقدمة الدول صاحبة أكبر احتياطات للنفط في العالم، تعي وفق التصريحات الرسمية أنها مطالبة بالتقليل من اعتماد اقتصادها بشكل كبير للغاية على النفط، ليس فقط لمواجهة الأحداث الطارئة على شاكلة العمليات التخريبية، بل في استجابة عقلانية لاستحقاقات الحاضر والمستقبل، واستثمار عائدات النفط الضخمة لما بعد عصر النفط.
يترسخ هذا التوجه في السعودية في الخطاب الرسمي على الرغم من تباهي المسؤولين النفطيين السعوديين وتأكيدهم على أن “آخر برميل من النفط في العالم سيخرج من حقول السعودية، ولهذا سوف تظل المملكة مصدرا موثوقا للنفط لسنوات قادمة”.
هذا التوجه ليس جديدا في السعودية على الرغم من أنه انتعش بقوة مع ظهور محمد بن سلمان، إذ صاغ الملك الراحل فيصل في فترة قطع إمدادات الطاقة عام 1973 ما يمكن وصفه بخط طريق الرجعة بمقولته الشهيرة: “عشنا وعاش أجدادنا على التمر واللبن وسنعود لهما”.
بطبيعة الحال المملكة لن تكون مجبرة على العودة إلى الماضي والعيش على الكفاف حرفيا كما صيغت في هذه المقولة الرمزية، وذلك لوجود خيارات كثيرة متاحة أمامها.
مثل هذه الخيارات متوفرة، وتنتظر من يلتفت إليها وينفض عنها الغبار، على شاكلة الاحتياطات المعدنية الضخمة التي قال عنها ولي العهد السعودي عند إعلانه عن “رؤية السعودية 2030″، بأنها لم تستغل بالشكل الأمثل.
وكذلك ما كشفه من وجود احتياطي في السعودية من اليورانيوم يمثل ما نسبته 6% من إجمالي احتياطات العالم، وهي ثروة كبيرة غير مستغلة.
ويمكن هنا الإشارة إلى توفر ثروات معدنية هامة في السعودية من الذهب والفضة والنحاس ومعادن أخرى لم يستغل منها إلا نسبة ضئيلة لا تتعدى 5%.
كما يمكن للسعودية تطوير قطاع اقتصادي هام هو السياحة الدينية الداخلية الخارجية، إضافة إلى فتح أبوابها أمام السياح الأجانب، والتعريف بمعالمها الفريدة وبناء بنية تحتية مناسبة لمثل هذا الغرض وهو المشروع الذي تعمل بشكل حثيث حاليا لإنجازه ويتوقع أن ينطلق قريبا.
علاوة على كل ذلك، يمكن للسعودية أن تقيم نشاطات زراعية منتجة، وقادرة على التصدير على الرغم من مشكلة نقص المياه، وهي حققت في هذا المجال عدة إنجازات مثل تسجيل فائض في إنتاج بعض المحاصيل كالبطاطس والباذنجان والخيار والباميا وبيض المائدة والألبان، كما أدخلت زراعة الزيتون، إضافة إلى “التمور” التي تعد المملكة ثاني أكبر منتج لها على مستوى العالم.