Site icon IMLebanon

ما بين “القوات” والحريري: ما “صنعه الزمن” و”الحداد”

شكّلت إشارة الرئيس سعد الحريري مساء الأحد بعد لقائه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، أنّ المسؤولين عن”القوات اللبنانية””يعرفون ما قاموا به معي”، رسالة مبطّنة في أكثر من اتجاه. وإن كان المنبر لم يسمح بالحديث المفصّل عمّا بين الطرفين، فإنّ العارفين بالكثير من التفاصيل  يشيرون الى لائحة بالعناوين الخلافية التي صنعها “الحداد”، ومنها من “صنع الزمن”. هذه عيّنة منها.

رغم اعتبار أنّ “القوات” و”تيار المستقبل” طرفان أساسيان من أطراف التسوية السياسية التي بنت اعمدة العهد الجديد، فإنّ العلاقة لم تستقرّ بين الطرفين طيلة السنوات الثلاث الماضية، فبقيت متقلّبة بين مدٍّ وجزر يتجاذبها وجها التفاهم والخلاف. فبعد تجميد الحراك الذي كان قائماً تحت عنوان ما يُسمى قوى 14 آذار، بات واضحاً أنّ الكثير من الثوابت التي نادت بها تلك القوة السياسية التي نمت على مدى عشر سنوات تقريباً، قد اندثرت أو تحوّلت تفاهمات على القطعة، وهو ما ترجم في الخلافات السابقة، وتلك المتوقعة بين اطرافها، سواء الذين صاروا من اهل التسوية والسلطة، او في خارجها وابرزهم حزب الكتائب الذي خرج وحيداً من عباءة التسوية السياسية، وبالتالي من كل ما أنتجته في تركيبة الحكم والحكومة.

وإن طغت على سطح الأحداث خلال السنوات الثلاث الأولى من العهد الجديد الكثير من عوامل الإنشقاق والفرقة بين اطراف 14 آذار، فقد ألقت التطورات الأخيرة الأضواء على العلاقات بين “القوات” و”المستقبل” تحديداً بالنظر الى حجم الترددات السلبية التي تركتها، تزامناً مع سقوط الكثير من التفاهمات التي بنتها “وثيقة معراب” بين “القوات” و”التيار الوطني الحر”، وقد شكّلا معاً نواة التسوية السياسية المعلنة مع الأطراف الأخرى دون التفاهم المباشر مع “حزب الله”.

فعلى وقع المساعي التي بُذلت لترميم ما تركته الهزات الأخيرة من ردود فعل متناقضة على اكثر من مستوى، تردّت العلاقات بين “القوات” و”المستقبل” وتعزّزت الخطوات التي أحيت العلاقات بين “المستقبل”ً والحزب التقدمي الذي كان خارجاً للتو من مصالحات رعاها رئيس مجلس النواب نبيه بري بينه وبين “حزب الله”، لتجاوز حادثة قبرشمون (30 حزيران الماضي) على وقع “هزة” إلغاء زيارة جعجع للجبل، والحديث عن تطوّر في الموقف الإشتراكي وتوقيت لقاءات قيادييه في اللقلوق وعين التينة بعد تسوية غامضة لم يُفهم بعد ما يمكن أن تقود اليه بين التقدمي والعهد و”التيار الوطني”. فهي باعتراف الطرفين تمرّ في مرحلة دقيقة من الإمتحان الصعب على خلفية ما يمكن أن يجنيه التقدمي في بعض الملفات المطروحة، ومنها التعيينات الإدارية وغيرها من تلك التي يطالب بتصويب الخطوات في شأنها ليستعيد ما فقده من التمثيل الدرزي في الحكومة.

ومن دون التوسّع في الكثير من الملفات، فقد حضرت الحال التي بلغتها العلاقات بين “القوات” و”المستقبل” والحوادث التي تسببت بها وفق معلومات “المركزية”، في لقاءٍ جمع بعض العارفين ببواطن الأمور الساعين الى ترميم العلاقة بين الطرفين دون أن يحقّقوا ما تمنّوه. فعاد الحاضرون الى أولى الإستحقاقات التي قادت اليها التسوية السياسية، ولا سيما في المرحلة الأولى التي قادت الى الإنتخابات النيابية، والتفاهمات على القطعة واختلافها بين دائرة واخرى. ثم جاءت مساعي تشكيل الحكومة فلم يظهر رئيسها المكلف في موقع القادر على إرضاء “القوات اللبنانية” بسبب التقدم في العلاقات التي جمعته مع “التيار”، فتشكلت الحكومة على أسس طُويت معها الخلافات بين الطرفين على زغل.

وفي وقت كان من الواجب أن يتوافق التيار الأزرق و”القوات” على الكثير من بنود البيان الوزاري ومن بعده في موازنة الـ 2019، سجّلت كل الخطوات التي تعزّز الإبتعاد بين الطرفين. فبدا عدّاد رئيس الحكومة يحصي ما يسمّيه الهفوات التي ارتكبتها القوات في حقه. وهو مَن توقف أمام سلّة المواقف المتمايزة من مشروع قانون الموزانة في مجلس الوزراء، ومن ثم في المجلس النيابي، فابتعد الطرفان اكثرعندما صوّتت “القوات” ضد بعض البنود التي بنى الحريري عليها كل حساباته الإقتصادية والمالية لتجاوز المصاعب في انتظار حبل النجاة.

وما زاد الطين بلّة، عندما فتحت “القوات” ملف العمالة الأجنبية وطاولت إجراءات وزير العمل العمالة الفلسطينية التي ما زالت تشكّل هاجساً عند الحاضنة السنّية لرئيس الحكومة، فسمحت ظروف الساحة الفلسطينية بفقدان المبادرة لدى رئيس الحكومة، إذ سبقه كثر الى تبنّي مطالبهم يتقدّمهم “حزب الله” وخصومه في الطائفة وفي السياسة، ولم ينجح في كبح خطوات وزير العمل او دفعه الى التراجع عنها، وكل ما فعله أنه جمّد بعض مفاعيلها.

وقبل أن يندمل الجرح السياسي جاءت الإنتخابات والتعيينات لتكوين المجلس الدستوري الجديد، ما سمح للقوات بتوجيه الإتهام الى الحريري بعدم الإلتزام بما تمّ الإتفاق عليه، علماً انه وعلى حدّ قول أقرب المقرَّبين اليه أنه ليس طرفاً في التفاهم الذي صاغته “القوات” مع الرئيس نبيه بري لتضمن نجاح مرشحها الماروني الى المجلس الدستوري، فكيلت له الإتّهامات بعدم الوفاء بالوعود التي يعطيها “زوراً وظلماً” رغم المساعي التي بذلها من اجل توفير حصتها من الأعضاء المسيحيين من غير الموارنة في المجلس، كون العضو الماروني تقرر ان يكون من حصة رئيس الجمهورية. ولذلك لم يوفر أكثر من مناسبة ليسأل الحريري “القوات” عن نتاج “تفاهم معراب” مع “التيار الوطني” قبل مطالبته بحصتها في التعيينات التي قال التفاهم بتقاسمها مناصفة بين معراب وميرنا الشالوحي في الإدارة والقضاء والديبلوماسية، وحتى في الجيش ومصرف لبنان.

عند هذه الخلفيات، يمكن حصر بعض البنود الخلافية بين “القوات” والحريري وإن بقيت عناصر أخرى، فهي اقل أهمية، او انها من نتاج الصراع القائم تحت هذه العناوين، سواء صُنعت قصداً بيد “الحداد” أو من “صنع الزمن”. وهو ما أدّى الى فقدان كل أشكال التواصل التي كانت قائمة بين الطرفين فتقلّصت زيارات الموفدين، وخلت الساحة للوسطاء السرّيين من أصدقاء الطرفين الذين عجزوا عن وصل ما انقطع وإمكان التوصل الى تفاهم في وقت قريب. فالحديث عن احتمال التباعد بين الطرفين يتقدم على مساعي التقارب، وحال بيت الوسط يسأل بنوع من التورية لماذا فعلت القوات ذلك بحلفائها القدامى والجدد؟ اما مقاربة القوات لمشروع موازنة ال2020 فسيشكل المحك والمؤشر لما ستؤول اليه علاقة “الحليفين”.