كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
لم تتأخر المعاناة من رفع أسعار الفوائد من الوصول الى الافراد، بعد مرورها بالقطاعات الانتاجية وإصابتها بخلل كبير. فالاقتصاد منذ بدء سياسة جذب الودائع لتمويل عجز الخزينة، عبر رفع الفوائد، وهو في حالة انكماش ونموٍ متراجع. فبعد عجز حوالي 14 في المئة من القطاعات الانتاجية والخدماتية عن سداد ديونها بسبب تراكم الفوائد وتوقف الاعمال، ها هي الازمة تطرق باب المواطنين وتفرض عليهم حلاً من اثنين: إما المزيد من الدفعات الشهرية على القروض البسيطة التي استحصلوا عليها، وإما التوقف عن السداد، وفي الحالتين ستكون المشكلة كبيرة عليهم وعلى الاقتصاد.
تلقى جوزيف. ي. اتصالاً من المصرف، الذي استحصل منه على قرض بقيمة 50 مليون ليرة على 6 سنوات، يبلغه فيه بضرورة الحضور الى الفرع لتسديد مبلغ 4 ملايين و100الف كبدل فوائد إضافية ترتبت على القرض. وعند الاستفسار عن الموضوع قدّم المصرف للعميل تعميم جمعية المصارف اللبنانية التي يرد فيها “يهمنا اعلامكم أن مجلس إدارة الجمعية قرر في اجتماعه بتاريخ 11/9/2019 تعديل معدل الفائدة (…) بحيث تصبح 10.14% على الدولار، و13.49% على الليرة اللبنانية”. الى آخر ما جاء في التعميم. الخبر وصل الى مسامع أسعد، الذي تفاجأ بدوره أن فائدة قرض الاسكان التي حددت بـ 3.3 في المئة أصبحت اليوم 4.15 في المئة وهو ما سيكبده دفع حوالى 100 دولار اضافية على القسط الشهري. جوزيف وأسعد، اللذان ناما على حرير “من سابع المستحيلات أن تتغير معدلات الفائدة (BRR)” استيقظا على وقع المزيد من الاكلاف على قرضهما. مثلهما مثل كل المواطنين من أصحاب القروض الذين تُقضم قدرتهم الشرائية بشكل سريع، مرة بارتفاع اسعار الفوائد، ومرة بزيادة الرسوم والضرائب، ومرات بتراجع الخدمات واضطرارهم لدفع ثمنها مرتين وثلاث.
مكمن الخلل
ما يظنه المواطنون أن زيادة الفوائد على قروضهم يعود لتأمين الفوائد المرتفعة على ودائع أصحاب الملايين، هو الجزء اللطيف من الحقيقة المرة. “فالمشكلة المالية الواقع فيها لبنان تعود حصرياً الى عجز الخزينة. وهذا العجز لا يدفع السلطة النقدية لرفع الفوائد لإجتذاب الودائع فحسب، بل أنه “ينشف” الاسواق من الاموال بسبب دخول الدولة كمنافس شرس للقطاع الخاص على التمويل”، يقول أحد المراجع المصرفية. ليضيف أن “ما من حل، إلا باصلاح الموازنة وتخفيض النفقات وإلا فان هذه السياسة ستكبد الاقتصاد والمواطنين أكلافاً باهظة”.
خطر الديون المعدومة يرتفع
ما كان حتى الامس القريب مؤشراً مطمئناً عن ان الديون المتعثرة عند الافراد لا تتجاوز الـ 3 في المئة من مجمل القروض المصرفية، تحول الى مشكلة. “فاستمرار التراجع الاقتصادي وضعف النمو وزيادة الاعباء على كاهل الافراد وتخفيض القدرة الشرائية، انعكس مزيداً من الافلاسات واقفال الكثير من المؤسسات، وهو ما أدى الى عجز الافراد والمؤسسات عن الايفاء بتعهداتهم للمصارف. ولعل الاخطر هو اضطرار المصارف الى استرداد الرهون، سواء كانت اصول منازل او سيارات.. وتحملها خسائر كبيرة في قيمتها، وبالتالي مضاعفة الخسارة”. يقول الباحث في هارفرد دان قزي.
الحل بإصلاح الموازنة
أمام هذا الواقع وبالنظر الى موازنة 2020 التي ما زالت بنود “الاجور” و”خدمة الدين” و”الكهرباء” تمتص حوالى 20.5 ألف مليار ليرة من حجم النفقات مقابل إيرادات لا تتخطى 19 الف مليار وعليه فان سيناريو رفع الفوائد نفسه سيتكرر خصوصا “أن الدول المحيطة كتركيا والاردن ومصر تنافس لبنان على جذب الودائع بالعملات الاجنبية من خلال سياسة رفع الفوائد. وبالتالي لا يوجد حل للحصول على العملات الصعبة من الخارج، وعدم خروج الموجودة في الداخل الا المزيد من رفع الفوائد” يقول المستشار في بورصة بيروت شادي سلامة.
مشكلة هذه السياسة انها تدميرية فعند تراجع النمو والانكماش الاقتصادي يصبح الحل تخفيض الفوائد أو حتى إزالتها، افساحاً في المجال امام الاستثمار وعودة النمو، كما حصل في الولايات المتحدة عقب الازمة المالية العالمية في العام 2008. إلا أن عقم السياسات الاصلاحية في الداخل وغياب النية في معالجة القطاع العام المنتفخ، واستمرار الانتفاعات الضيقة من مؤسساته المهترئة.. تدّفع الاقتصاد مبالغ، لا تنحصر خطورتها بحجمها، بل بعدم توفرها بين أيدي المواطنين والقطاعات الانتاجية.