تَمْضي بيروت في «الرقصِ فوق فوهةِ» أولويتيْن، رصْد تداعيات الصراع اللاهب في المنطقة المفتوح على شتّى السيناريوات، ومحاولة احتواء «الصُداع» المالي الذي تتّسع «عوارضه» الخطرة على أكثر من مستوى في لبنان.
وفي حين تجهد بيروت لشقّ «ممرّ آمِنٍ» بين الخطريْن الإقليمي والمالي من خلْف ظهرِ «العاصفةِ»، شخصت الأنظار على ما يشبه «خطة الطوارئ» التي ترتسم ملامحها خارجياً وداخلياً بهدف رْفدِ الواقعِ المالي – الاقتصادي اللبناني الذي يعيش على «التنفّس الاصطناعي» بمزيدٍ من «الأوكسجين» ويوسّع هامش «الوقت المستقطع» الفاصل عن تَجاوُز «مرحلة الخطر».
وفي هذا الإطار، توقّفت أوساطٌ واسعة الإطلاع عند إعلان الرياض عبر وزير المال السعودي محمد الجدعان «أن المملكة تجري محادثات مع حكومة لبنان بشأن تقديم دعمٍ مالي»، وهو العنوان الذي يُرجَّح أن يكون شكّل أحد مواضيع البحث خلال الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري للسعودية التي انتقل منها أمس الى باريس في محطةٍ تزامنتْ مع وجود أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ويتوّجها اليوم بلقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وإذا كانت زيارة الحريري لباريس يُتوقَّع أن تشهد إطلاقَ المسار التنفيذي لمؤتمر «سيدر» بناءً على «دفتر الشروط» الإصلاحي الذي بدأت بيروت بالتكيّف الصعب معه وسيُبْقيها تحت الرقابة الدولية، فإن عودة السعودية، وربما الإمارات بعدها، إلى واجهة «مظلّةِ الدعم» للبنان الذي سيُترجم من خلال مشاريع «سيدر» كما بمساهماتٍ مباشرة أخرى لوقف مؤشرات الانهيار المالي تكتسب أهميةً «فوق عادية».
ولاحظتْ الأوساط واسعة الاطلاع عبر «الراي» أن حرصَ الرياض، على توجيه رسالة احتضانٍ للبنان يعكس وجود مسارٍ مزدوج يحكم التعاطي الخارجي مع بيروت ويقوم على التمييز بين «حزب الله» الذي تطارده «عصا» العقوبات الأميركية المتدحرجة، وبين الدولة التي ترتسم ملامح قرار إقليمي – دولي بمنْع انهيارها من الخاصرة الرخوة المالية.
وإذ استحضرتْ الأوساطُ الدعمَ الأميركي الثابتَ للجيش اللبناني إلى جانب «إشارةِ الثقةِ» التي شكّلتْها وديعةُ الـ1.5 مليار دولار من مؤسسة «غولدمان ساكس»، لم يكن عابراً اندفاعة «حزب الله» في اتجاه الداخل اللبناني في معرض محاولته رسْم «خطوط ردْع» بوجه مسار العقوبات المتدرّجة.
فبعدما اتّهم نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم «جهات داخلية (لبنانية)» بأنها «جزء من منظومة الترويج للأميركيين وعقوباتهم وتقترح عليهم إجراءات معينة حول كيفية مواجهة حزب الله في لبنان»، محذراً «لن نقبل وندرس الخيارات المناسبة» للردّ «إذا فكّر الأميركيون باستهداف مواطنين ومؤسسات لبنانية ويأمروا الحكومة والبنك المركزي بترتيبات معيّنة»، اعتبرت كتلة نواب الحزب أن «استمرار أميركا في الإجراءات الظالمة ضد مكوّن أساسي من لبنان هو عدوان واضح على لبنان».
وجاءت مواقفُ «حزب الله» فيما كانت واشنطن تمْضي في توجيه الرسائل القاسية له من ضمن مسار العقوبات المالية التي توسّعت إلى «سياسية» بدءاً من وضْع رئيس كتلة نوابه محمد رعد والنائب أمين شري على لائحة العقوبات في يوليو الماضي، لتطاول أمس «الذراع الحكومية» للحزب وتحديداً وزير الصحة جميل جبَق الذي لم يُمنح تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة حيث كان يفترض ان يشارك في مؤتمر مع نظرائه الدوليين يقام على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك التي يترأس وفد لبنان إليها الرئيس ميشال عون.
في سياق متصل، أكد وزير الدفاع الياس بو صعب «أن لبنان في حال من الدفاع عن النفس في وجه اعتداءات إسرائيل الخطيرة»، معتبراً أن «اعتداء الطائرتيْن المسيّرتيْن الإسرائيليتين الذي وقع في الضاحية في 25 أغسطس الفائت يُعدّ تغييراً خطيراً في قواعد الاشتباك مع لبنان»، ومشدداً على «أن الجيش اللبناني لا ينسق أعماله مع أحد».
وجاء كلام بو صعب في مؤتمر صحافي عقده أمس في مقر وزارة الدفاع وعرض فيه نتائج التحقيقات التي أجراها الجيش في عملية الطائرتيْن المسيّرتين، فاعتبر «أن إحدى الطائرتين كانت تحمل صندوقًا يحتوي على 4.5 كيوغرام من المتفجرات البلاستيكيّة».
وإذ أوضح ان «الدرون» التي سقطت في الضاحية هي صناعة عسكرية متطوّرة، كشف أنها «انطلقت من مطار هامونيم في إسرائيل ويمكن التحكم بها عبر طائرات الـUAV في الأجواء»، مؤكداً أن «الخرق لم يكن بمسيّرتين فقط بل كان إلى جانبها طائرات صغيرة UAV في الجو جاهزة لتسييرها»، ومشيراً إلى أن «العدو الإسرائيلي كان يدير العملية في الجو والبحر من خلال كل أجهزته. لكن لا يمكن نفي وجود جواسيس في الداخل (اللبناني)».