من حيث “الشكل” لا المضمون، ترى مصادر سياسية مراقبة تشابهًا قويا بين، من جهة، التطورات التي شهدها لبنان إبان أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري من الرياض في تشرين الثاني 2017، وما تبعها آنذاك من اتصالات فرنسية توّجت بمؤتمر سيدر لدعم لبنان والاستثمار فيه، على أساس واضح: اعتماد الحكومة جديا وبشكل لا لبس فيه، سياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة والتزامها القرارات الدولية وأبرزها الـ1701 والاصلاح الاقتصادي، والتطورات التي تعيشها الساحة المحلية اليوم، من جهة ثانية.
فالرئيس الحريري طار في زيارة خاطفة الى الرياض، قبل ان ينتقل منها الى باريس لاطلاق المسار التنفيذي لمقررات مؤتمر “سيدر”. ويبقى ان الحلقة الثالثة، والاهم في هذا المسلسل، هي ان وضع قطار الاستثمارات المرجوة، على السكة الصحيحة الى بيروت، يتطلّب تجديد الدولة اللبنانية ما كانت تعهّدت به سابقا، في ما خص الحياد والقرارات الدولية والاصلاح.
بحسب ما تقول المصادر لـ”المركزية”، حسمُ بيروت خياراتها الاستراتيجية يحتلّ أولوية كبيرة لدى الدول المانحة، وعلى رأسها الولايات المتحدة والسعودية وفرنسا. فهذه العواصم ترى ان دور “حزب الله” آخذ في التعاظم على الساحة اللبنانية بدلا من أن يتضاءل. وبدل أن تستوعبه الدولة عبر بحث استراتيجية دفاعية تضبط سلاحه وتضعه تحت كنف الشرعية وفي إمرتها، يبدو للخارج ان سطوة الحزب على القرار السيادي آخذة في الاشتداد، وقد تجلّت في “أفقع” صورة منذ ايام قليلة عندما لم يتردد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في القول ان لبنان لن يبقى على الحياد اذا ما تعرّضت ايران لأي اعتداء، معلنا “نحن هنا من لبنان نقول للعالم كله إن إمامنا وقائدنا وسيدنا وعزيزنا وحسيننا في هذا الزمان هو سماحة آية الله العظمى الإمام السيد علي الحسيني الخامنئي دام ظله، وإن الجمهورية الإسلامية في إيران هي قلب المحور، وهي مركزه الأساسي، وهي داعمه الأقوى، وهي عنوانه وعنفوانه وقوته وحقيقته وجوهره”.
إزاء هذا الواقع، لا بد للبنان الرسمي من كبح جماح حزب الله، أو على الاقل، فليعلن تمايزه عنه ويتمسّك بالنأي بالنفس. أما الاستمرار في هذا “التراخي” الذي يضيع فيه موقعُ الدولة اللبنانية الفعلي وموقفُها، فلن يكون مقبولا لدى الداعمين في المرحلة المقبلة. و”التلاشي” الرسمي و”ضبابية” الاجندة اللبنانية، قد تكون لهما تبعات خطيرة على الوضع الداخلي ككل، في قابل الايام، تتهدد ازدهار البلاد اقتصاديا وتقدّمها، حتى ولو بلغتها مساعدات “سيدر”.
ذلك ان الادارة الاميركية تبدو عازمة على مواصلة شد الطوق ليس فقط حول عنق حزب الله، بل على حلفائه وداعميه ماليا وسياسيا. فالمعلومات تشير الى ان وزارة الخزانة الاميركي ستعلن قريبا رزمة عقوبات جديدة على قياديين في الحزب، عسكريين وسياسيين، الا انها ستطال ايضا وللمرة الاولى، حلفاء له، متجاوزة طوائفهم ومذاهبهم. فالمعيار الذي تعتمده في هذا الخصوص ليس طائفيا بل سياسيا، وهذا ما أبلغه مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر لمن التقاهم في بيروت منذ أيام. كما ان مؤسسات مصرفية كانت ام تجارية(…) تدعم الحزب سيكون لها نصيبها من العقوبات، وفق المصادر التي تقول ان هذا الملف سيكون حاضرا بقوة في المشاورات المرتقب ان يجريها مساعد وزير الخزانة الاميركي لشؤون مكافحة الارهاب مارشال بيلينغسلي في لبنان مطلع الاسبوع.
فهل ستعرف الدولة كيف تحمي رأسها والمساعدات الدولية في آن، من “مقصلة” الحزم الاميركي غير المسبوق؟