كتب جوزيف الهاشم في صحيفة “الجمهورية”:
يقول مثلٌ مغربي: «توَلدُ الثورات عندما ترى رجلاً يأكل الخبز وآخر يتفرَّج عليه…»
وكتبتْ صحيفة «الميساجيه دي سوار» عبر مراحل الثورة الفرنسية: «كان الدم يسيل ولم نفتقد الخبز، واليوم لا يسيل الدم والخبز مفقود، أَيَجب أن يسيل الدم لنحصل على الخبز…» ؟
كلُّ شعبٍ يلـجُّ في نفسهِ جنونٌ ثوريّ، عندما يبلغُ الظلمُ والقهرُ والذُلّ والفقر حـدّاً، لا يعود معه الصبرُ مفتاحاً الى الفرج بل مفتاحاً الى القبر.
الشعبُ، وإنْ كان يعني بالنسبة الى البورجوازيِّـين الفرنسيين تعبيراً يشير الى الإحتقار، فقد تمكّن الجنونُ الشعبي «الإحتقاري» في فرنسا من أن يحطّم سجن الباستيل ويقود الملكية العاتية الى المقصلة.
لا… نحن لا ندعو الى ثـورة مقصلة الدم، ليس لأن البورجوازيـين عندنا لا يستأهلونها، بل لأنهم أصبحوا بلا دم، ولأنّ هذا الشعب على غزارة النزف لم يبقَ في شرايينه إلاّ بعضٌ قليل من نقاط حمراء تتوشّح بالإصفرار.
المآسي التي نعانيها تكاد تفوق كلَّ المآسي التي سبّبت الثورات في التاريخ: إنْ شئنا أن نعدّدها فلا يتوقّف معها العـدّ.
أرضٌ مستباحة سائبة: ما يقارب المليون ونصف المليون لبناني هاجروا منها ولم يعودوا، وما يقارب المليون ونصف المليون غريب نـزحوا إليها ولم يعودوا، وكأننا على هذه الأرض نفتش عن لبنان الذي كان وطناً.
الدولة والسيادة والشرعية والقوانين والنظام والدستور أشبـهُ بالبغاء الشرعي.
السلطة قائمة على الشخصية الوراثية وخاضعة لسيطرة الحاكم الذي هو خليفةٌ ووارثُ خليفةٍ ويورثُ خلفاء.
المبادىء الأخلاقية والإنسانية تتعهّر في النفوس، الفساد زادٌ يوميٌّ يطيب معه التلذُّذ بالشهوات والجشع، والمسؤولون والسياسيون بعضُهم يتَّهم بعضَهم الآخر حتى لا تعرف من هو اللصّ.
وزير الداخلية السابق مروان شربل شاهدٌ من أهلـهِ، يعلنُ من على الشاشات أن هناك موظفين كباراً يتقاضون الرواتب بالملايين وقروضاً سكنية بالملايين، وقروضاً بالملايين على مشاريع وهمية بلا فائدة، وأن أرباح كازينو لبنان توزّع على سياسيين معروفين منه شخصياً.
ملياراتٌ من الدولارات تُنفَـقُ على الكهرباء، ولا كهرباء…
والمليارات المنهوبة تطـيرُ من المعابر الشرعية محمّلة على بساط الريح الى مصارف في سويسرا.
والتهريب على المعابر غير الشرعية يصـلُ الى حدود الثلاثة مليارات دولار في السنة، منذ أن طالب النائب حميد فرنجية في أعقاب الإستقلال – بحسب محاضر مجلس النواب – بترسيم الحدود تنفيذاً للمادة الأولى من الدستور ولضبط التسلّل البشري والتهريب الجمركي.
وعندما لا نتبصّر في الأفق ملامح ثورة من فوق، فماذا يبقى غيـرُ الثورة من تحت…؟
الثورة لا تعني أن الحلّ بالقتل: اللهُ – حسب تعبير كهنوتي – ينتصرُ على الشرّ من دون أن يستعمل وسائل شريرة، ولا تعني الثورة أن نحمل الرشاشات، وننصب حواجز الرمل في الساحات، فقد كفانا ما حملته الرشاشات الميليشياوية من انتفاضات حمراء حملت إلينا العـزَّ بعد الفاقة.
هناك أيضاً ثورة هادئة وثورة باردة، ثورة استمرار الثورة في تمرّدٍ يشنُّه أهل الفكر والقلم والعلم والنقابات وأساتذة الجامعات.
فإذا كان الأديب الفرنسي ألبير كامو لم يجد إلاّ سبيلين للخلاص: الإنتحار أو الثورة، فإنّ الخلاص عندنا أيضاً بات يتوقف على أحد خيارين: إما صرخة الثورة وإما صخرة الروشة.