IMLebanon

الديبلوماسيون يحذّرون… والسياسيون مخدّرون

كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن:

ليست المرّة الأولى التي يتحرّك فيها المجتمع الدولي لحماية أمن لبنان واستقراره، في حين أن الأوضاع في المنطقة لا توحي بأن هناك تسوية ما قد تحصل يمكن أن تنعكس إيجاباً على الساحة اللبنانية. في جلساتهم مع السياسيين اللبنانيين، يؤكّد عدد من السفراء أنّ لبنان أمام مرحلة خطرة جداً ويجب تدارك الأمور قبل الوصول إلى حافة الإنهيار.

هذه التحذيرات الديبلوماسية التي تُردّد بين الحين والآخر في الأروقة السياسية ليست جديدة، إذ إن المجتمع الدولي يدأب منذ مدّة على حث الحكومة اللبنانية على اتخاذ إجراءات إصلاحيّة جذريّة وليس الإكتفاء بأخذ المسكنات الظرفية التي ينتهي مفعولها بعد أسابيع.

وفي السياق، فإن التحذيرات الديبلوماسيّة لا تقتصر على ضرورة أخذ الواقع الإقتصادي في الإعتبار، بل إن الواقع السياسي الجديد في المنطقة يرخي بظلاله ولا يمكن للبنان أن يتجاوز كل تلك التغيرات الإقليميّة.

وإذا كان قادة لبنان لا يأخذون كل تلك التحذيرات على محمل الجدّ وكأنهم مخدّرون، إلاّ أن السفراء وخلال لقاءاتهم الدوريّة يحاولون تعميم أجواء إيجابية، لكنهم في المقابل لا يتجاهلون الواقع السيئ والمزري الذي يعيشه لبنان والذي لا يمكن السكوت عنه لأن التراكمات السلبية ستؤدي في مكان ما إلى حدوث صدمة سلبية لا يمكن تخطيها.

وفي السياق، فإن تحذيرات السفراء تنبع من عوامل سياسيّة عدة هي كالآتي:

أولاً: لا يمكن تجاهل الكباش الأميركي – الإيراني المشتعل وتأثيراته على دول المنطقة ومن ضمنها لبنان، ومن المعروف أن لبنان يتأثّر بالدول الخارجية بشكل كبير جداً، وتسعى إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب إلى إضعاف طهران وأخذها إلى مفاوضات الإستسلام، من هنا فإن النفوذين الاميركي والإيراني في لبنان هما الأكبر، وبالتالي فإنه يجب أن ينتظر الجميع كيف سينتهي هذا الصراع، وما إذا كان سيُمنح لبنان كجائزة ترضية إذا نجحت المفاوضات او يتحوّل إلى صندوق بريد في حال أخذت المواجهة الاميركية – الإيرانية طابعاً أشرس من الموجود حالياً.

ثانياً: يؤكّد السفراء خلال لقاءاتهم أن الوضع السوري يتجه إلى مزيد من التأزم، ولا حلّ يلوح في الأفق إذ إن التباعد ما زال موجوداً بين الولايات المتحدة وروسيا، وبالتالي لا يمكن الحديث في القريب العاجل عن أي حلّ سلمي للأزمة السوريّة، من هنا سيبقى لبنان يعاني من ترددات تلك الأزمة وخصوصاً في ملف النازحين الذين لم يعد لبنان قادراً على تحمّل أعبائهم.

ثالثاً: يؤثّر الواقع العسكري الذي يتطور في المنطقة على لبنان، إذ إن الكباش الإيراني- السعودي ينعكس حكماً على بلد الأرز، خصوصاً بعد استهداف منشآت أرامكو النفطية، واتهامات الرياض لطهران بمحاولتها زعزعة أمن المملكة والخليج.

أما التحول الأكبر فهو اتخاذ الصراع مع إسرائيل أشكالاً مختلفة خصوصاً بعد استهداف تل أبيب لمواقع الحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق، وكذلك، الصراع الذي دار اخيراً بين إسرائيل و”حزب الله” بعد استهداف موقع للحزب في سوريا ودخول الطائرات المسيّرة عمق الضاحية الجنوبية لبيروت ورد “حزب الله” على الحدود الجنوبية، ما فتح المنطقة على مرحلة جديدة من التطورات خصوصاً إذا ما تدحرجت المواجهة أكثر فأكثر.

ولكن على رغم كل هذه الأجواء السلبية والغيوم التي تتلبّد في سماء المنطقة وتهدّد أمن لبنان واستقراره، يبقى الغطاء الدولي الذي تتمتّع به البلاد هو الأساس، إذ إن تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية والدوليّة ما زال مطلباً وحاجةً دوليّة، وهذا التحييد يظهر من خلال تأكيد كل المسؤولين الدوليين عليه، ومسارعتهم إلى لجم أي تطوّر ممكن ان يؤذي هذا الإستقرار.وما التحرّك الدولي بعد حادثة الضاحية الجنوبيّة من ثمّ ردّ “حزب الله” على تلك العملية الإسرائيليّة إلاّ تعبير واضح من المجتمع الدولي أن لا حرب جديدة في الأفق وأنه ممنوع انحدار الوضع اللبناني نحو الأسوأ.