كتب ريمون هنود في “اللواء”:
عقب إغتيال الرئيس رفيق الحريري ضم حلف 14 آذار 2005 تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ، والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب وغيرهم من القوى. عندها شعر حزب الله بالخطر جرّاء تأكّده بأن تلك القوى، قد تفوز في الإنتخابات البرلمانية عام 2005 بحوالى ثمانين مقعداً، ما سيضعف سلاح المقاومة سياسياً في الداخل اللبناني.
وعلى المستوى العربي والإقليمي والدولي. وعندما اعتبر العماد عون بأنه أسدى خدمة كبيرة لواشنطن عندما أدلى بشهادة ضد سورية أمام لجنة فرعيّة في الكونغرس الأميركي، ونجح نجاحاً باهراً في جعل اللوبي المسيحي اللبناني التابع له في الولايات المتحدة بالتعاون مع الإدارة الأميركيّة في إنجاب القرار 1559، وفي إقرار قانون محاسبة سورية، لاحظ بعد فترة أن بلاد السوبرمان لم تردّ له الجميل وتتبنّى ترشّحه لرئاسة الجمهورية اللبنانية.
من هنا قرّر نقل البندقية من كتف الى كتف والتحالف مع فريق الثامن من آذار وعلى رأسه حزب الله، وتوقيع وثيقة تفاهم مع الحزب في العام 2006 قبل وقوع عدوان تموز الإسرائيلي في العام عينه. أما باكورة التحالف، فكانت بمنح تكتله والذي ضمّ 21 نائباً شرعيةً لسلاح الحزب تحت قبة البرلمان. ونتيجة الهدية الثمينة التي قدّمها الجنرال الى الحزب، ردَّ الحزب الجميل وأعلن ترشيحه الى رئاسة الجمهورية عقب إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.
وعندما اندلعت الحرب في سورية في 13 آذار 2011 كان من الطبيعي أن يؤيّد العماد عون النظام في تلك الحرب للحصول على أصوات حلفائه في لبنان في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ونتيجة قوة تيار العهد النيابية والوزاريّة، غضّ حزب الله الطرف عن أشياء كثيرة مارسها التيار الوطني الحر، ولم يكن الحزب ضمنياً راضياً عنها طيلة فترة الحرب في سورية، كرفض بلدية الحدث وبلديات أخرى في قضاء بعبدا إستئجار مواطنين غير مسيحيين لشققٍ سكنية، ربما بداعي قربها من أمكنة عملهم، ولم يكن الحزب أيضاً راضياً عن خطاب الوزير باسيل الزاخر بمفردات طائفية جراء تشوّق معاليه الى تعديل اتفاق الطائف، بحجّة أن رئيس الجمهورية الماروني خسر معظم صلاحياته التي منحتها إياه عام 1943 الدولة التي يقبع في سجونها المناضل الماركسي اللبناني ابن بلدة القبيات العكارية جورج إبراهيم عبدالله منذ العام 1984 الى الآن.
رغم أن التيار يعلم أن حزب الله يرفض تعديل الطائف، بدليل أن الشيخ نعيم قاسم والنائب محمد رعد ولقاء أحزاب 8 آذار الذي انعقد في 8 تموز الفائت خرجوا بإجماع على أن الطائف خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو المسّ به، فضلاً عن أن الحزب لم يكن راضياً عن تذكير التيار بذكريات أليمة حدثت في الحرب الأهلية، وتذكير رئيس البلاد بممارسات العثمانيين في لبنان ودول الجوار في زمن التبادل الديبلوماسي بين انقرة ويريفان، وبالتأكيد فإن الحزب غير راضٍ عملياً على تعيين السيد فرحات فرحات أمنياً عاماً للمجلس الأعلى للخصخصة والشراكة، لأن فرحات وحسب ما أفاد وزير تيار المردة يوسف فينيانوس، كان حاضراً كل الإجتماعات الممهّدة لصدور القرار الدولي 1559 وقانون محاسبة سورية في العام 2005، وهذه المعلومة لا يمكن أن تجعل حزب الله والنظام في سورية يشعران بالفرح والغبطة.
أما بالنسبة لمساهمة التيار الوطني الحر في بدء إطلاق مسيرة إعادة عملاء إسرائيل إلى لبنان، وخصوصاً المسيحيين منهم بهدف تحقيق مكاسب انتخابية وزيادة شعبيته المسيحية، فإن «حزب الله» خرج عن صمته، وأعلن رفضه المباشر لهذه الخطوة، ولكن دون الوصول إلى أزمة مع التيار.
من هنا كان تحالف عون مع حزب الله تحالف المصلحة والضرورة، فعون كان بحاجة الى أصوات لبلوغ سدّة الرئاسة الأولى، والحزب كان بحاجة الى دعم شرعي عوني برلماني لسلاحه داخل الندوة النيابية، والدليل على أن التحالف كان تحالف الضرورة والمصلحة وليس تحالفاً ايديولوجياً، هو أن الجنرال، كان قد قال في العام 1994 لصحيفة «الحياة» بتاريخ 10 آذار من فرنسا، بأن إسرائيل أعلنت بوضوح أنها لا تريد شبراً من الأرض أو نقطة ماء، وبأنه خائف من أن تُستعمل بندقية المقاومة في الداخل اللبناني لاحقاً. في ذلك الزمن كان العماد عون خصماً لسورية، لكن الرئيس الأسد عندما أضاف الى عبارة «عون الخصم» كلمة «الشريف» غداة إبرامه التحالف مع الحزب في كنيسة مار ميخائيل الشياح عام 2006 ولم يعمد الى إزالة كلمة الخصم، كان يعلم بأن الرئيس عون لا يزال خصماً أيدولوجياً للفكر البعثي أو الفكر السوري القومي الإجتماعي أو الفكر الماركسي اللينيني، وكان يعلم بأن تحالفه مع الحزب لم يبدّل أيديولوجيته اليمينية المسيحية اللبنانية، وكان الأسد يعلم أيضاً بأن شعبية الجنرال المسيحية بامتياز تأبى الإنتقال الى ضفة محور روسيا، إيران، سورية، فنزويلا، كوريا الشمالية، الصين رسمياً لأنّ مصالحها تاريخياً ومصالح مغتربيها التجارية هي مع المعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة. واليوم جلّ ما يهم سورية وحزب الله، هو مصير مدينة إدلب أولاً، وعما إذا كانت طريق عودة دمشق الى جامعة الدول العربية، ستُفرش بالورود والرياحين، أو انها ستبقى مزروعة بالألغام. وفي حال عادت سورية الى الجامعة، وعاد بالتالي التبادل الديبلوماسي بينها وبين المملكة العربية السعودية، عندها يمكننا معرفة إسم رئيس جمهورية لبنان المقبل المولود من رحم معادلة سين سين أخرى.
وبانتظار معرفة مصير هذين الأمرين فإنّ علاقة دمشق وحزب الله مع تيار العهد ستبقى علاقة صداقة متينة وتحالفٍ قويّ، وسيبقى الجنرال خصماً شريفاً بالنسبة لدمشق.
لكن وفق تحليلي لمجريات الأمور، فإن التيار الوطني الحرّ مدعوّ ولو بعد فترة قَصُرت أم طالت الى الإقتناع بأن حزب الله لن يقبل بتعديل الطائف، والتصادم مع تيار المستقبل وحتى مع الرئيس برّي ومع الحزب التقدمي الإشتراكي، لأن الحزب من سلّم أولوياته، أن يبقى لبنان بمنأىً عن الإضطرابات على أنواعها، في أخطر مرحلة يمرُّ بها وطن جبران، خصوصاً على المستويين الاقتصادي والمعيشي. أما الرئيس بري فهو ثابت في مواقفه من تنفيذ كل بنود اتفاقية الطائف، وأهمها إقرار المادة 95 من الدستور الناصّة على تشكيل الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية وهو الذي سبق أن قال، من دون إلغاء الطائفية السياسية لا إزدهار اقتصاديّ في لبنان. وعموماً فإن التيار الوطني الحر مدعو الى الإيمان بأن أهل الشيعة في لبنان هم تماماً كأهل السنّة واعتذر «عن اضطراري لاستعمال مفردات طائفية» لناحية انهم لن يعيدوا الى الرئاسة الأولى المارونية، ولو صلاحية واحدة مضافة الى ما تملكه الآن. فرئيس الجمهورية ماروني، وقائد الجيش ماروني، وحاكم مصرف لبنان ماروني، وإذا أردنا أن نمنح صلاحيات أكثر للرئاسة الأولى، ماذا سيبقى للطوائف الأخرى، ونحن بانتظار صدور حكم الصبر علينا، لناحية منحه لبنان مفتاح الفرج، لكي يلج وطن الأرز العربيّ جنّة إقرار المادة 95 من الدستور لبناء الدولة المدنية اللاطائفية، وإيصال الرجل المناسب الى مكانه المناسب وفق كفاءته ونزاهته لا وفق إسم، طائفته ومذهبه ومنطقته وبعيداً كل البُعد عن صيغة مناصفة أو مثالثة. أما بالنسبة لعملاء إسرائيل فمحاكمتهم الفعلية لن تكون إلا على يد المقاومين الأبطال بمفردهم، الذين انتصروا في الحرب اللبنانية بنجاح فائق على مشاريع التقسيم والكنتنة والفدرلة، وطردوا الجيش الصهيوني من بيروت العربية عام 1982، واسقطوا اتفاقية السابع عشر من أيار 1983 مع العدو واغتالوها ببنادق إنتفاضة السادس من شباط 1984 المجيدة، وتمكنوا في تعبيد الطريق أمام عملية توحيد الجيش الوطني اللبناني على قاعدة العداء لإسرائيل فقط وعلى قاعدة الولاء للوطن بدل الولاء للطائفة.
أما من يتهجّمون على الرفيقة سهى بشارة فليعيدوا لنا جورج إبراهيم عبدالله وعميد الأسرى يحيى سكاف، بدلاً من أن يعيدوا لنا عملاء نهلوا من ينابيع الخيانة حتى الثمالة بمال المستعمرين. وبالمناسبة أقول لهم ما قاله الشاعر أسعد سعيد ابن بلدة الصرفند المقاومة لسهى بشارة عقب أسرها من قبل قائد العملاء أنطوان لحد: من يوم أسرك يا سهى بشارة، عالإسم ما في أمّ محتارة، صارت اللي بتجيب بنت تسمّيها سهى، واللي بتجيب صبي تسمّيه بشارة.