Site icon IMLebanon

الزيجات إلى تراجع وعدّاد الطلاق ماشي

كتب مازن مجوز في “نداء الوطن”:

 

أتقبيلن بـ”بفلان” زوجاً لك؟ أتقبل بـ” فلانة” زوجة لك؟ ويأتي الجواب رخيماً من الزوجين “نعم”. هكذا تبدأ قصة الإرتباط بـ”نعم” مفترض أن تكون أبدية، ولكن سرعان ما تتبدل الأمور بالنسبة لكثير من الأزواج، وبشطبة قلم تمحى الوعود وتسقط العهود ويصبح الطلاق أسهل من الحياة المشتركة، فهل بات اللبنانيون يستسهلون أبغض الحلال؟ يتراجعون عن شراكة العمر بسرعة غير متوقعة أحياناً، حتى أن بعض العرسان وقبل أن يستلموا أوراق الزواج الرسمية يكونون – وللأسف – قد وقعوا في فخ الطلاق.

الطلاق واحد من أخطر الأزمات الاجتماعية إن لم يكن أخطرها في لبنان، خطر تتصاعد معدلاته بوتيرة مخيفة، تتوالى التقارير التي تنبهنا أن الأسرة اللبنانية – نواة المجتمع، وركيزته الأولى – مهددة بسبب تزايد معدلات الطلاق أو “الخلع”، والتهويل ليس المغزى من تلك التقارير والأرقام بل هي ضرورة للفت الانتباه تجاه تلك الظاهرة الخطيرة، حيث سجل لبنان تزايداً في حالات الطلاق بنسبة 137% بين العامين 1999 و2018، فهل هذا الواقع يحتاج الى إعادة نظر وبحث بنظرة فاحصة وأكثر عمقاً في حالات الطلاق وما وراءها من أسباب؟ خصوصاً أن المجتمعات الناجحة والمتقدمة تبدأ من الإستقرار الأسري.

في تقرير حمل عنوان “اللبنانيون: تراجع الزواج وزيادة الطلاق”، نشرته “الدولية للمعلومات” في 20 تموز2019، وأشارت فيه الى أن “التحولات التي شهدها لبنان سواء الاقتصادية منها، حيث تراجعت المداخيل وفرص العمل وزادت الهجرة، والتحولات الإجتماعية حيث الإنفتاح وتشعب العلاقات وتبدل بعض المفاهيم الإجتماعية، وكذلك النزوح السوري وتأثيره الاجتماعي والعائلي، عوامل أدت إلى تبدل في خيارات اللبناني من حيث تراجع حالات الزواج مقابل ارتفاع في حالات الطلاق”.

وفي التفاصيل أنّ عقود الزواج تراجعت من 40565 عقداً في العام 2009 إلى 39840 عقداً في العام 2018 أي بمقدار 725 عقداً ونسبة 1.78%. أما عقود الطلاق، فقد ارتفعت من 5957 عقداً في العام 2009 إلى 8678 عقداً في العام 2018 أي بارتفاع بمقدار 2721 عقداً وبنسبة 45.6%
وأشار رئيس “الدولية للمعلومات” جواد عدرا في تغريدة على حسابه عبر “تويتر” في اليوم الذي تلا نشر التقرير إلى أنه وفقاً للمديرية العامة للأحوال الشخصية، تبين للـ”الدولية للمعلومات” ارتفاعاً في نسبة حالات الطلاق قياساً إلى عقود الزواج في الفترة الممتدة من العام 2014-2018 بلغت 19.6%، مقارنة بـ15.6% للفترة الممتدة ما بين الأعوام 2009-2013 .

وفي مقارنة أخرى لافتة بين العامين 1999 و2018، نلاحظ إرتفاعاً في عدد عقود الزواج بنسبة 22% فقط مقابل ارتفاع عقود الطلاق بنسبة 137%.

ويعتبر الزواج سراً من أسرار الكنيسة وبطلانه أمر غير مرغوب فيه، ومسألة الزواج بدأت منذ العهد القديم وذُكرت مع ملاخي وموسى ووردت في سفر الخروج أيضاً، وعندما سئل يسوع عن الزواج أتى جوابه واضحاً وصريحاً: “ما جمعه الله لا يفرّقه إنسان (متى 19: 4-9). ومن الأحاديث الشريفة ما روي عن النبي (ص) أنه قال: (الزواج سنّتي، فمن رغب عن سنّتي فليس مني)، وفي الإسلام الطلاق “أبغض الحلال”.

العنوسة لدى اللبنانيات 32%

والحال، أنه بالاستناد إلى الأرقام الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي، فإن نسبة العزوبية لدى الشعب اللبناني من عمر 1 يوم إلى 49 سنة 70.3%، وهي تختلف ما بين الذكور والإناث وكذلك تبعاً للفئات العمرية. وبالتالي إذ ما اعتبرنا أن سن الزواج هو دون الـ 40، وتحديداً بالنسبة للمرأة، فإن العنوسة تكون لدى اللواتي تجاوزن سن الـ 40 ولم يتزوجن، وبالتالي تكون النسبة هي بحدود 32% وليس 85% والتي تحدثت عنها الدراسة التي نشرها موقع “روسيا اليوم” في الأشهر الأولى من هذا العام، حيث أكدت أن نسبة العنوسة في لبنان هي الاعلى في العالم العربي .

ويعزو باحثون اجتماعيون وإقتصاديون تأخر الزواج إلى أسباب متنوعة؛ أبرزها الأعباء الاقتصادية، ارتفاع نسبة الفقر، تفشي البطالة، تدنّي فرص العمل، ارتفاع إيجارات السكن، عدم القدرة على شراء شقة وارتفاع تكاليف المعيشة مقارنة بالرواتب المتوافرة.

هذه العوامل يعاني منها الشباب اللبناني، ما دفع بشريحة كبيرة منه إلى صرف النظر عن موضوع الارتباط الرسمي، واستبعاد فكرة الزواج بسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، بينما يرى قسم من الشابات أن النصيب لم يأتِ بعد، أو أن الشريك المناسب لم يقع في شباكهن.

العامل الاقتصادي ليس سبباً رئيسياً للطلاق

أستاذ علم الاجتماع طلال عتريسي يرى في حديث لـ”نداء الوطن” أن ظاهرة الطلاق ترافقت في السنوات الاخيرة مع ظاهرة تأخر سن الزواج، مؤكداً أن الخلافات الزوجية التي تؤدي الى الطلاق غالباً سببها غير اقتصادي، بالاضافة الى هجرة الشباب الى الخارج وعدم توفر فرص عمل والبطالة المرتفعة.

ويضيف: “إرتفاع نسبة التعليم عند الفتيات يؤدي الى تأخر سن الزواج، فإستقلالية الفتاة المتأتية من حصولها على وظيفة وعلى عمل وبالتالي على مردود مادي خاص، يجعلها أكثر شعوراً بالاستقلال وعدم الارتباط أو عدم الخضوع لشخص آخر”.

وبرأي عتريسي فإن مفهوم الزواج وأدوار الرجل بالعقلية الشرقية التي يحملها لا يستطيع أن يقبل بفقدان سلطته الزوجية داخل الاسرة، فيما لا ترى المرأة نفسها بدور تقليدي داخل الاسرة سيما التي تعمل، وغالبية الفتيات يعملنَ اليوم، فهي لا تتقبل بسهولة فكرة التخلي عن الامتيازات المرتبطة بحريتها التي اكتسبتها قبل الزواج، وهذا سبب رئيسي من اسباب الطلاق، ما يخلق “عدم التكيف” مع الزواج، ما يعني تضارباً بين هاتين الرؤيتين، لذلك ترتفع نسبة الطلاق في السنوات الاولى من الزواج.

وإذ ينفي العلاقة التي تشير إليها بعض الإحصاءات الحديثة بين الطلاق ووسائل التواصل الاجتماعي، يكشف عتريسي أن السبب الثاني يتمثل بثقافة اعلامية (مقروءة ومسموعة ومرئية) تنتشر حول رفض السلطة وحول مفاهيم الحرية وما يتغير في المجتمع من علاقات وعادات ومن تقاليد، أكثر من السابق، فلم يعد الطلاق كما كان قبل 20 أو 30 قضية كبرى في المجتمع اللبناني، بل أصبح مسألة سهلة تحمل عنوان “الثقافة الجديدة” في المجتمع اللبناني. أولاً نسمع كثيراً بعبارة “دعيه وشأنه أو دعها وشأنها”، وليعش كل شخص بمفرده وهذا “أريح بال”؟.

الاولاد يدفعون الثمن

أما النقطة الثالثة فتتجسد بعامل فقدان أخلاقية الصبر وسوء التعامل لدى الطرفين واحياناً من قبل طرف واحد، فهذه الأخلاقية، وكأساس في بناء العائلة، بدأت تتراجع داخل الاسرة اللبنانية وداخل مؤسسة الزواج وحتى داخل المجتمع اللبناني، على عكس ما كان سائداً منذ ثلاثة أو أربعة اجيال.

وانتقالاً إلى تداعياته، يوضح عتريسي: “الطلاق مشكلة اجتماعية خصوصاً إذا تفاقمت، فهذا يعني أننا سنشهد مشاكل على المستويات كافة، لكن الاخطر أننا سنعيش مع جيل من الاطفال سيكون مستقبلاً جيلاً غير مستقر وغير متوازن، مع إحتمالات كبيرة للانحراف والتسرب المدرسي والتمرد واللجوء الى العنف، عوامل ستكون متاحةً أكثر في العائلات المفككة”.

ومن هنا إذا كان الزوج والزوجة يشعران بأنهما تخلصا من عبء فهذا صحيح، إذا لم يكن هناك أطفال أو أولاد، فكل الدراسات التربوية والنفسية تؤكد أن الطفل أو الولد بحاجة الى وجود الأب دائماً إلى جانبه، وبحاجة في مرحلة معينة إلى الأم وعاطفتها أكثر من الأب، ومن هنا يأتي اللاإستقرار الإجتماعي وسيكون الأطفال أو الأولاد الضحية الاولى، لهذا السبب لا يمكن لأي بديل أن يعوّض وجود الأم والأب، فالأولاد سيدفعون ثمن الطلاق وبالتالي المجتمع كله سيدفع الثمن، خصوصاً عندما يصبح ظاهرة، وهي تتوسع بإستمرار، وفق عتريسي.

سيناريو الطلاق

يسقط المثل الأعلى

وعلى عكس عتريسي تشدّد المعالجة النفسية ساسيليا دومط على أن العامل الإقتصادي مهم جداً وهو يدفع بالشباب اللبناني إلى عدم الإرتباط، وبالتالي عدم الإلتزام بسبب عدم قدرته على تحمل ليس تكاليف حفل الزواج وحسب، بل وأيضاً شراء مسكن والاعباء المادية للعائلة من ناحية الإنجاب ولاحقاً أقساط المدارس، وهذا يثير مخاوفه الإقتصادية.

أما من الناحية الاجتماعية فتلاحظ دومط أن هناك تفلتاً كبيراً من القيم والمبادئ التي تربينا وتعودنا عليها في المجتمع، وكل شيء ممنوع بتنا نراه مسموحاً، وهذا ما يحيلنا إلى التفلت الاخلاقي بعد أن أصبحت الخيانة الزوجية مسموحة، بدليل ظهور شريك ثالث في الكثير من العلاقات الزوجية، عازيةً ذلك إلى الدور المهم الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في ظهور هذا الشريك.

ومن الأسباب أيضاً، تشرح أنه وبعدما كان الأهل يجسدون المثل الأعلى في التضحية والحب والصبر في سبيل المحافظة على العائلة، هم أنفسهم نراهم ينفصلون اليوم ويتفلتون من المسؤولية، ليتحولوا إلى “مثل غير مشجع” على الحب والتضحية والصبر لدى الأولاد، وهذا ينسحب على جيل الشباب إثر رؤيته النسب المرتفعة من معدلات الطلاق، فينكفئ عن الزواج كي لا يتكرر معه “سيناريو الطلاق”.

وفي ما يتعلق بالجهات المسؤولة عن ظاهرة إرتفاع معدلات الطلاق فتؤكد ضومط: “المجتمع بكامله مسؤول، فغياب الدولة والنظام والسلطة التي تعطي الامان للعائلة، والامان الاقتصادي الذي يبعد عن العائلة الخوف من المستقبل يشكلان سببين رئيسيين، فالمجتمع اللبناني يحاول تقليد المجتمعات الغربية بشكل خاطئ وكأنه يكتفي بالمتعة (الإكتفاء بالخليلة أو الخليل) بعيداً من الارتباط والمسؤولية”.

ووصولاً إلى سبل العلاج تطالب دومط بضرورة القيام بحملات توعية في مجتمعنا لكل الناس، حملات مساعدة ودعم نفسي، كي يستطيعوا التخلص من الآثار والاوجاع والقلق وعدم الاستقرار الاجتماعي والمادي والنفسي الذي يعيشه مجتمعنا.

وفي الختام، فإن هذا الواقع الذي يهدد الترابط الاسري في لبنان، يشكل حافزاً لكل مقبل / مقبلة على الزواج لأن ينظر إلى شريكه المستقبلي بشمولية أكبر، وبمنظور أدق، وذلك لتصحيح المفاهيم الخاطئة السائدة عن الزواج في المجتمع اللبناني- بالطبع مع ضرورة قيام الجهات المعنية الأخرى بوضع حلول للمشكلات الرئيسية وهي قابلة للمعالجة – وأيضاً يشكل حافزاً، لكل من على وشك الطلاق، أن يراجع قراره وأن لا يتسرع بقرار طائش، وحتى لكل من تسرّع وأقدم على الطلاق، أن يتذكر كل تفاصيل حياته مع شريكه السابق، ويقوم بتحليل موضوعي: “هل القرار كان صائباً أم خطأً لعله يسترجع زوجه ويصلح ما قد تم هدمه سابقا”؟.