Site icon IMLebanon

حماده وحاوي والمرّ… الهواتف النقّالة قتّالة

كتب نجم الهاشم في “نداء الوطن”: 

في 17 أيلول الحالي أصدرت رئيسة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، القاضية إيفانا هردليشكوفا، بيانًا تحثُّ فيه سليم عيّاش المتهم بالوقوف وراء محاولتَي اغتيال النائب مروان حماده والوزير السابق الياس المرّ واغتيال الأمين العام للحزب الشيوعي سابقاً جورج حاوي على التعاون مع المحكمة وتُطلِعه فيه على حقوقه.على رغم معرفة رئيسة المحكمة أن عيّاش لن يتجاوب مع هذه الدعوة إلا أنها في إطار عمل المحكمة الدولية تصرّ على اتباع الأصول القانونية في التبليغ والإجراءات التي تحفظ حقوق المتهمين من أجل السير بمحاكمة عادلة. على هذا الأساس طلبت من السلطات اللبنانية توقيف عيّاش وهي تعلم أيضا أن الرد سيكون تلقائياً بأن الأمر متعذر لأنه لم يتم العثور عليه، وهذا ما حصل بالفعل بعد أقل من يوم على هذا الطلب. فالأمر نفسه حصل في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري بعدما اعتبر السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” أن المتهمين بهذه القضية هم بمثابة القديسين ولن يتم توقيفهم لا اليوم ولا بعد مئة عام.

المسألة تتعلق بتحقيق العدالة ولكن لا شيء يؤكد على أن المحاكمات يمكن أن تؤدي إلى الغاية التي أنشئت من أجلها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أيضاً، وهي منع الإفلات من العقاب إذ أنه على ما يبدو فإن كل المحاكمات ستتمّ بغياب المتهمين.

رئيسة المحكمة لم تغفل أيضاً أن تذكر السيد عياش أن بإمكانه أن يمثل عبر البث التلفزيوني من باب رفع العتب، والأمر الواجب حتى لا يقال أن حقوق الدفاع لم تكن مؤمنة. صحيح أن العدالة الدولية في هذه المحكمة الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري والقضايا المرتبطة بها بطيئة، ولكنها تبقى أيضاً بمثابة الدليل على أنه من الأفضل أن تصل العدالة متأخرة من ألا تصل أبداً.

الحريري أولاً

منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 كان المطلوب أن يقفل الملف فوراً. لقد راهنت السلطة التي كانت تحت الوصاية السورية على أن اهتمام القضاء اللبناني والأجهزة الأمنية التابعة له بالتحقيق في هذه القضية كفيل بأن يبقي الملف فارغاً، وأن تبقى التهمة مقيدة ضد مجهول وأن يذهب الناس إلى أشغالهم بعد إتمام عملية الدفن. وصحيح أيضاً أن عائلة الرئيس الحريري تمنّت على “حزب الله” أن يساعد التحقيق بما يمكن أن يكون لديه من معلومات، ولكن ضخامة العملية واهتمام المجتمع الدولي الذي كان على ما يبدو ينتظر حصولها وردود الفعل الشعبية التي أثارتها عملية الإغتيال، عجّلت في تكليف لجنة تحقيق دولية تقصي الحقائق قبل أن يتمّ محو آثار الجريمة وتعبيد الطريق أمام فندق السان جورج حيث حصلت من أجل أن تعود الحياة الطبيعية إلى البلد.

لم تجرِ رياح التحقيق بما كانت تتمناه الجهات التي ذهبت إليها الشكوك أولاً. ولكن كانت هناك محاولة لتجاوز هذه المسألة من خلال عدم تقدير المدى الذي يمكن أن يبلغه التحقيق الدولي، وعلى هذا الأساس استمرت عمليات الإغتيال ذلك أن “حزب الله” اعتبر ربما، أن تنفيذ العملية بالطريقة التي تمّت فيها غير قابلة للإختراق وبالتالي ستبقى عاصية على الكشف، انطلاقاً من الحماية الأمنية والسرية المطلقة التي تحيط بالذين شاركوا في التنفيذ. ولكن بعد اغتيال النائب جبران تويني في 12 كانون الأول 2005 تمّ تجاوز مسألة التحقيق الدولي إلى اتخاذ القرار بإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي أدخلت ضمن إطار صلاحياتها قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري والقضايا المرتبطة بها في حال أثبت التحقيق ذلك، عن قناعة كانت متوفرة تعتبر أن من يقف وراء هذه العمليات طرف واحد وأنها فصول من سلسلة اغتيالات تدخل ضمن الجرائم المنظمة التي تقوم بها “منظمة” متمرسة في هذه الأعمال ولا يمكن اختراقها أو وقفها بسهولة.

سيارة مفخخة أم عبوة؟

على رغم السير بالمحاكمات في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري بقيت السرية تحيط بالقضايا الأخرى التي سبقتها أو أعقبتها. في 5 آب من العام 2011 رأى قاضي الإجراءات التمهيدية أن الاعتداءات التي استهدفت كلاّ من حماده وحاوي والمر “متلازمة مع اعتداء 14 شباط 2005، الذي أدّى إلى مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق السيد رفيق الحريري وإلى مقتل أشخاص آخرين أو إصابتهم بجروح. وتبعًا لذلك، أعلن قاضي الإجراءات التمهيدية أن هذه الجرائم تندرج في نطاق اختصاص المحكمة الخاصة بلبنان”. وبعد ثمانية أعوام، في 14 حزيران 2019 أودع المدعي العام قلم المحكمة نص قرار الإتهام في هذه القضايا. وفي 16 ايلول تمّ رفع السرية عنه وتمّ نشره بنسخة مموهة أزيلت منها بعض الأسماء.

في هذه القضايا الثلاث تمّ الربط مع قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري كما ورد في نص قرار الإتهام استناداً إلى دليل الإتصالات، الذي تبين للتحقيق الدولي من خلاله وجود ثلاث شبكات اتصال، حدّدها بالتفصيل وحدّد الأرقام الهاتفية التي استخدمت والأشخاص الذين كانوا ينفذون المراقبة والتخطيط والتنفيذ. وقد ظهر من خلال هذه المتابعة أن ارقاماً هاتفية محدّدة استخدمت في هذه العمليات وفي عملية اغتيال الرئيس الحريري، وتمت تسمية سليم عياش ومصطفى بدر الدين مع إعطاء رموز مشفرة للأشخاص الآخرين المشتركين فيها.

لقد حصلت محاولة اغتيال الوزير مروان حماده في أول تشرين الأول 2004 بواسطة سيارة مفخخة. ونفذت عملية اغتيال جورج حاوي في 21 حزيران 2005 بواسطة عبوة ناسفة ألصقت في سيارته. وجرت محاولة اغتيال الوزير الياس المر في 12 تموز 2005 بواسطة سيارة مفخخة.

منذ محاولة اغتيال حماده حتى اغتيال الوزير السابق محمد شطح في 27 ايلول 2013 سجلت 13 عملية اغتيال ومحاولة اغتيال ضد قيادات من قوى 14 آذار، لم يربط التحقيق الدولي منها باغتيال الحريري إلا قضايا حماده وحاوي والمر. معظم هذه العمليات حصل باستخدام سيارات مفخخة وشكلت عملية اغتيال جبران تويني في 12 كانون الأول 2005 نقطة فصل بينها. يمكن فهم سبب عدم الربط بين الجريمة الأساسية والجرائم التي ارتكبت بعد اغتيال تويني ولكن لا يمكن معرفة سبب عدم توفر أدلة للربط بين هذه الجريمة وبعض تلك التي حصلت قبلها، خصوصاً اغتيال الصحافي سمير قصير في 2 حزيران 2005 بواسطة عبوة ناسفة وضعت في سيارته ومحاولة اغتيال الوزيرة الحالية مي شدياق بواسطة عبوة مماثلة وضعت أيضا في سيارتها في 25 أيلول 2005.

دور الرائد وسام عيد

ماذا تغيّر بين ما قبل اغتيال تويني وما بعده؟ المتغير الأساسي كان في اكتشاف الرائد وسام عيد شبكة الإتصالات التي استخدمت في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتسريب المعلومات التي أظهرت علاقة متهمين من “حزب الله” في هذه العملية. الإستنتاج كان أن أسلوب التنفيذ تبدّل بعد ذلك بحيث تمّ اعتماد طريقة اتصال مختلفة لا يتمّ فيها استخدام الهواتف الخليوية.

الثابت في هذا المجال أن الرائد وسام عيد تعرّض لمحاولة اغتيال في 12 شباط 2006 عندما كان لا يزال يقيم في شقة سكنية في حي الأميركان على تخوم الضاحية الجنوبية، وقد تمّ الربط بين هذه المحاولة وبين الدور الذي قام به في كشف شبكة الإتصالات. ولكن عيد لم ينج من العملية الثانية حيث تم اغتياله في 25 كانون الثاني 2008 بواسطة سيارة مفخخة على طريق الحازمية.

قبل اغتيال عيد اغتيل النائب بيار الجميل في 21 تشرين الثاني 2006. اغتياله هو الوحيد الذي شذّ عن قاعدة العبوات والسيارات المفخخة ذلك أنه استشهد نتيجة إطلاق النار مباشرة عليه. بعده كانت عملية اغتيال النائب وليد عيدو بواسطة سيارة مفخخة في 13 حزيران 2007 والنائب أنطوان غانم في 19 أيلول بواسطة سيارة مفخخة أيضا. بعد غانم ستمر خمسة أعوام قبل اغتيال اللواء وسام الحسن بواسطة سيارة مفخخة أيضا في 19 تشرين الأول 2012 في الأشرفية، وقبل اغتيال الوزير شطح بالطريقة نفسها في 27 أيلول 2013 في وسط بيروت. واللافت أن العمليتين الأخيرتين حصلتا بعدما كان صدر القرار الإتهامي في قضية اغتيال الرئيس الحريري عن قاضي التحقيق الدولي في 30 حزيران 2011، مسمّياً المتهمين الأربعة التابعين لـ”حزب الله” المشاركين في العملية ومن بينهم سليم عياش ومصطفى بدر الدين الذي أكد القرار الجديد في قضايا حماده وحاوي والمر وفاته.

اللافت أيضاً في هذا القرار الجديد أنه يحدّد أن أرقام هاتف استخدمت في هذه العمليات بدأ المتهمون تشغيلها بين العامين 1999 و2003 قبل أن تستخدم مجدداً منذ ما قبل محاولة اغتيال حماده في تشرين الأول 2004. ولكن القرار طبعاً لا يربط بين أي من هذه الأرقام وبين أي من عمليات الإغتيال التي قد تكون حصلت في تلك المرحلة لأنها خارجة عن نطاق الصلاحيات. وقد أغفل هذا التحقيق الدولي ما إذا كانت هناك إمكانية لرصد داتا الإتصالات الخاصة بهذه الأرقام بين هذين العامين في قضايا محددة لم تتوفر فيها أي معلومات للتحقيق.

المحكمة مستمرة

في خلال هذا العام من المتوقع أن يصدر الحكم في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ردود الفعل على القرار الإتهامي في قضايا حماده وحاوي والمر لا توحي بأن يكون هناك رد فعل عنيف يرتبط بصدور الحكم، ذلك أنه وبعد أربعة عشر عاماً على الإغتيال امتصّت التطورات السياسية الزخم الذي كان يرافق التحقيق أولاً ثم المحاكمة. عدّاد الأيام الذي كان ينتظر الحقيقة لم يعد عداداً ينتظر المحاسبة من أجل تحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب. صدور الحكم سيبقى تحت سقف الإستيعاب وتحت سقف تقديم المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية. صدور الحكم أيضاً لا يعني أن المحكمة الدولية انهت مهمتها وباتت بحكم المنحلة والفاقدة للشرعية والدور. ذلك أنها ستستمر في السير بالمحاكمة في قضايا حماده وحاوي والمر. وما لا يمكن فهمه في هذا المجال رد فعل الحزب الشيوعي وعائلة جورج حاوي حول ما ورد من معلومات في القرار الإتهامي لجهة التشكيك به، على رغم “معاهدة كل الرفاق والأصدقاء والوطنيين والمقاومين بمتابعة قضيته حتى النهاية من أجل جلاء الحقيقة، وهما على قناعة تامة بأن من اغتال القائد المقاوم جورج حاوي خائن وعميل يستحق حكم الإعدام فلا غطاء فوق رأس أحد”.

ما لا يمكن فهمه أيضاً في ما لو ثبتت التهمة على عياش في اغتيال حاوي كيف يمكن أن يكون اتُخذ القرار بإعدام الرجل الذي خطط لمحاولة اغتيال اللواء انطوان لحد وقدّم مسدسه لمنفذة العملية سهى بشارة؟ وكيف يمكن تصوّر اغتيال الرجل الذي أطلق جبهة المقاومة اللبنانية في أيلول 1982 ضد الإحتلال الإسرائيلي؟