قالت أوساط مقربة من المرشح لانتخابات الرئاسة التونسية عبدالكريم الزبيدي إن قيادة حملته قدمت أدلة وإثباتات قوية قد تقود القضاء إلى الأمر بإعادة الفرز، مؤكدة أن الطعون تتركز بالأساس حول تجاوز مرشحين لسقف التمويل المسموح به قانونيا ومن بين هؤلاء المرشح الفائز بالمرتبة الثانية نبيل القروي، وكذلك مرشح حركة النهضة عبدالفتاح مورو الحائز على المرتبة الثالثة، فضلا عن استفادتهما من الإشهار السياسي على قناتين خاصتين.
ولم يكن الزبيدي المرشح الوحيد الذي طعن في مصداقية الانتخابات، فهناك خمسة آخرون قدموا وثائق عن “تجاوزات خطيرة” من هذا المرشح أو ذاك، وإذا تم الأخذ بهذه الطعون فإنها قد تقود إلى إعادة الانتخابات أو إلى إلغاء نتائج عدد من المرشحين وإسقاط ترتيبهم لفائدة من جاؤوا وراءهم في النتائج.
ونشر سامي بن سلامة العضو السابق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات على حسابه الشخصي على فيسبوك قوله إنّ الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها 2019، هي انتخابات في مهبّ الريح.
وأشار بن سلامة إلى أنّ الطعن الذي تقدم به الزبيدي هو الأخطر من حيث قوّة المؤيّدات وهو ما لا يترك للقضاء مجالا كبيرا، ويتعلّق هذا الطّعن باستعمال الإشهار السياسي من قبل كل من عبدالفتاح مورو ونبيل القروي أثناء الحملة الانتخابية، ما يعتبر خطأ جسيما في القانون الانتخابي وهو ما يؤدي إلى إلغاء النتائج التي تحصل عليها المرشحان المذكوران.
وقال عماد الغابري، رئيس وحدة الاتصال والإعلام بالمحكمة الإدارية التونسية في اتصال هاتفي مع “العرب”، إن المحكمة الإدارية تلقت مساء الخميس، ستة ملفات للطعن في نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية المبكرة، تقدم بها محامو المرشحين يوسف الشاهد، وعبدالكريم الزبيدي، وسليم الرياحي، وحاتم بولبيار، وناجي جلول، وسيف الدين مخلوف.
وتأتي هذه الطعون في أعقاب الإعلان عن فوز المرشح المستقل، قيس سعيد بالمرتبة الأولى في الدور الأول لهذه الانتخابات، بنسبة 18.4 بالمئة، بينما فاز مرشح حزب “قلب تونس”، نبيل القروي بالمرتبة الثانية بنسبة 15.6 بالمئة، في حين حصل الزبيدي على نسبة 10.7 بالمئة من أصوات الناخبين، ليأتي في المرتبة الرابعة خلف مورو الذي حصل على نسبة 12.9 بالمئة من أصوات الناخبين.
وبالتوازي، حصل بقية المرشحين المعنيين بهذه الطعون، بحسب النتائج الأولية لهذا الاستحقاق الرئاسي، على نسبة 7.4 بالمئة بالنسبة للمرشح يوسف الشاهد، ليأتي بذلك في المرتبة الخامسة، بينما حصل سيف الدين مخلوف على نسبة 4.4 بالمئة، وناجي جلول على نسبة 0.2 بالمئة، ليأتي في المرتبة 21، في حين حصل حاتم بولبيار على 0.1 بالمئة من الأصوات ليأتي في المرتبة 26.
وفي ضوء هذه الطعون، التي من المنتظر أن تنظر فيها المحكمة الإدارية في ظرف قصير لا يتجاوز يوم الأحد المقبل، تنوعت القراءات القانونية، وسط تفسيرات متباينة لجهة المآل الذي ستنحو باتجاهه التطورات اللاحقة، وطريقة التعاطي مع الأحكام التي ستصدرها المحكمة الإدارية في وقت لاحق.
ولم يتردد الناشط السياسي، المحامي منذر بالحاج علي، في القول لـ”العرب”، إن هذه الطعون أخرجت المسار الانتخابي من مربع التنافس، وأدخلته في دائرة القضاء، وهي بذلك ستكون لها دون شك ارتدادات بدأت ملامحها الأولى تتضح من خلال تأجيل موعد تنظيم الدور الثاني للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها.
وأضاف أن الطعون “ما زالت في الطور القضائي، وبانتظار البت فيها، يمكن الجزم بأن الأحكام التي سيصدرها القضاء بشأنها ستؤثر بشكل أو بآخر على مجمل العملية الانتخابية بشقيها الرئاسي والتشريعي، والتوازنات التي تحكم مسارها”.
وقبل الحسم القضائي في تلك الطعون، بدأت تأثيراتها تتبلور تدريجيا من خلال التأكيد على أن الدور الثاني من هذا الاستحقاق الرئاسي السابق لأوانه لن يتم يوم 29 سبتمبر الجاري وفق ما أعلن عنه سابقا، حيث من المرجح تأجيله إلى 13 أكتوبر القادم.
وبحسب فاروق بوعسكر، نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فإن موعد الدور الثاني من الاستحقاق الرئاسي المبكر “سيكون إما يوم 29 سبتمبر الجاري أو 6 أكتوبر المقبل، وعلى أقصى تقدير يوم 13 أكتوبر 2019”.
وعلى هذا الأساس، تكون تلك الطعون التي يصفها البعض بـ”التكتيكية” بهدف محاولة الاستثمار في ركام تلك النتائج للبقاء في المشهد، والبعض الآخر بـ”الجدية” لأنها مدعومة بـ”مؤيدات قوية” حول وجود إخلالات وتجاوزات، قد فرضت فصلا إضافيا من التصعيد الذي يصعب التكهن بنتائجه التي تتساوى فيها الاحتمالات بحكم الأجواء الساخنة من التجاذبات الحادة التي تحيط بها. وكان لافتا أن تلك الأجواء هي التي دفعت نبيل بافون، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى الاجتماع مع الرئيس المؤقت، محمد الناصر، ليعلمه بمستجدات العملية الانتخابية، والطعون التي تلقتها هيئة الانتخابات المتعلقة بالنتائج الأولية للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، وما سيترتب عليها بشأن تحديد موعد الدورة الثانية.
وقال بافون إنه “تم خلال هذا الاجتماع التداول في مسألة ضرورة تكافؤ الفرص بين المرشحين الاثنين للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، أي قيس سعيد ونبيل القروي، وأنه أعلم رئيس الجمهورية بتوجيه طلب في الغرض لقاضي التحقيق المكلف بقضية أحد المرشحين”، وذلك في إشارة واضحة إلى المرشح نبيل القروي الذي يقبع حاليا داخل السجن بتهمة التهرب الضريبي، وغسل الأموال.
ولم يستبعد بافون في تصريح سابق لـ”العرب” إعادة الانتخابات في حال فوز القروي بالدوري الثاني ورفض القضاء الإفراج عنه.
ويرجح المراقبون أن يتواصل الجدل بخصوص هذه التطورات بعد ارتفاع صخب المناخ السياسي الداخلي الذي زاده سخونة الصراع المفتوح بين المحامين والقضاة الذي تفجر مساء الخميس، في أعقاب إقدام مجموعة من المحامين على الاعتصام داخل مقر المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، للمطالبة بتفكيك ملف “الجهاز السري” لحركة النهضة الإسلامية.
كما طالبوا بالكشف عن حقيقة الاغتيالات السياسية التي عرفتها البلاد، ما دفع القضاة إلى الإعلان عن دخولهم في إضراب عام مفتوح لمدة أسبوع كامل.