Site icon IMLebanon

الخصخصة “قصقصة”… بالتراضي

كتبت إيفون أنور صعيبي في “نداء الوطن”:

منذ ايام، استدعى المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم رئيس اللجنة الموقتة لإدارة المرفأ حسن قريطم. خلفية الاستدعاءات المتكررة التي لا تلبث ان تعود و”تنام” في الادراج بسبب الضغوط المختلفة والتي لا تخفى على أحد، مبنية على طرق إبرام عقود الصيانة والتنفيذ والدراسات بالتراضي. واللجنة المنتهية الصلاحية والفاقدة للشرعية متّهمة بانفاق ملايين الدولارات على صفقات من دون حسيب ولا رقيب…

بحسب مصادر مطلعة “فان وزير الاشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس قد سعى مع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، اثناء زيارته مرفأ بيروت الى “تغطية” قريطم وربما “استخدامه” مرة أخيرة في مشروع تشغيل محطة الحاويات بالتراضي بقيمة 600 الف دولار. تنتهي مدة العقد الحالي في 31/01/2020 لذا لا بدّ من تحضير مناقصة قبل نهاية العام الجاري، وقد أنجز دفتر الشروط بالتراضي وسُلّم الى رئيس الحكومة خلال الجولة. وتجدر الاشارة الى ان التجربة الحالية للتشغيل لا تنذر بالخير لا لجهة احترام حقوق الدولة ولا حتى لناحية المنافسة العادلة والشفافية في المناقصة ولعلّ شركة ” CMA CGM ” خير شاهد على ذلك نظراً للتدخلات التي جرت لابعادها عن المنافسة واقصائها من المناقصة”.

لذا، تتوقع اوساط متابعة ان تطرح رئاسة مجلس الوزراء هذا الموضوع على مجلس الوزراء لاطلاق مناقصة التشغيل. لكنّ المشكلة تكمن في كوننا اصبحنا في عهد الشراكة بين القطاعين وبالتالي فان هكذا عقود خاصة لمرفق “مجهول الابوين” وغير تابع لوزارة وبلا قانون يرعى عمله، من المفترض ان تتبع إما قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين، أو عليها حكماً ان تخضع لقانون المحاسبة العمومية. وفي كلتا الحالتين يعتبر ما حصل مخالفاً للقوانين المرعية الاجراء. لكن والاهم من ذلك، على مجلس الوزراء اتخاذ قرار حول من سيُدير الدفة في المناقصة: ادارة المناقصات ام المجلس الاعلى للخصخصة؟!

في هذه الحالة، كيف سيتم تلزيم المحطة لفترة 10 اعوام وقد أُثيرت في اجتماعات بعبدا التي أنتجت الورقة الاقتصادية ضرورة خصخصة المرفأ؟ عمليّاً، لقد همس أصحاب فكرة التخصيص في أذن الشركات التي من الممكن ان تكون مهتمة في المناقصة ان تعدل عن الامر. وهكذا، حُصرت المنافسة بالشركات المترابطة سياسياً والتي على دراية مسبقة بالقرار الذي سيُتّخذ حول ما اذا كان المرفأ سيُخصص ام لا. في هذا الاطار، يقول مصدر مطلع “ان الدولة لن تتجه الى التخصيص وكل ما يُسوَّق عن هذا الموضوع ليس الا كلاماً فارغاً. إن كان هناك توجه الى التخصيص، فهناك قطاعات اخرى تصب ضمن اولويات الاقتصاد، وعليه، لا بدّ من تخصيصها اولاً كالريجي على سبيل المثال او كازينو لبنان”.

للمناقصة مبادئ عالمية واضحة، أكان ذلك عملاً بقانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص او قانون المحاسبة العمومية. وعليه، يكون لدفتر الشروط أسس ومعايير محددة مهما كان شكله ووفقاً لاي قانون كان.

يمكن لدفتر الشروط ان يكون عاماً كما يمكنه ان يكون خاصاً وذلك حسب المتطلبات. يكون لدفتر الشروط العام (cahier des charges général) ركائز عامة مستقاة من المناقصات التي تحصل في القطاع العام. اما دفتر الشروط الخاص (cahier des charges spécial) فهو بمثابة عقد محدد يتضمن مواصفات معينة على اساسها تفوز الشركات التي تزخر بهذه المواصفات ان قدمت افضل العروض وأدنى الاسعار.

بالعودة الى دفتر الشروط لتشغيل محطة الحاويات في المرفأ، يوضح منسق المرصد اللبناني للفساد شارل سابا “ان الاتفاق قد حصل بالتراضي. ذلك يعني انه مبطن، فالشروط الموضوعة في دفتر الشروط الخاص لا تكون الا على قياس شركات معينة تكون في غالبية الاحيان عاملة وفقاً لائتلاف في ما بينها وهكذا يتم اقصاء بقيّة الشركات”.

يضبط قانون المحاسبة العمومية المناقصات ككل، اما قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين فيحدد أطر اي شراكة وعليه فان اي اجراء من خارج هذين القانونين مثير للشبهات لاعتباره اقل صرامة لا سيما من قبل قانون المحاسبة العمومية، اذ انه ورغم ان المرفأ لقيط الا ان امواله اموال عامة. في الحالتين يجب وضع دفتر شروط توافق عليه ادارة المناقصات او المجلس الاعلى للخصخصة.

عن الموضوع يرى نائب رئيس مخلصي البضائع غسان سوبرا ان “من شأن دفتر الشروط الاخير وطريقة وضعه ان يعيد الشركة عينها او شركات تابعة لها من خلال ائتلاف في ما بينها لتشغيل الحاويات في مرفأ بيروت. فما يحصل في الواقع هو تفصيل المناقصات على قياس الشركات المتفق عليها مسبقاً. يكثر الحديث في هذا السياق عن المخالفات والمغالطات التي سبق وارتكبتها الشركة المشغلة BCTC بالاتفاق مع قريطم، ابرزها اقدام قريطم على شراء رافعات بـ90 مليون دولار في حين كان على الشركة شراؤها بحسب الاتفاقية التي تلزمها شراء المعدات. الى ذلك لا تقوم الشركة المشغلة بدفع بدل ايجار مكاتبها الى الدولة”.

ويضيف سوبرا “بالحديث عن المخالفات الحاصلة في المرفأ لا بدّ من التطرق الى الاسعار والتي تتخطى اسعار مرفأ طرابلس بـ 40% علماً ان عليها ان تكون موحدة لكن رئيس اللجنة الموقتة لإدارة المرفأ يرفض ذلك رغم المطالبات المتكررة من قبل النقابات التي تسعى الى خفض التعرفة لتتساوى مع مرفأ طرابلس.

يشبه النهج المعتمد في مختلف الادارات والمؤسسات العامة لا سيما تلك التي تدرّ أموالاً طائلة خُطى عائلة روتشيلد: “من يتحكّم بمكامن أموال أمّة ما.. لا يأبه لمن يصوغ السياسات ولا لمن يضع القوانين…”.