Site icon IMLebanon

“أموال سيدر” والعقوبات الأميركية.. أين المفرّ؟

من بين الأسئلة المقلقة في البلد.. هل يُمكن للبنان أن ينجو من تداعيات أية مواجهة أميركية- إيرانية خليجية في الخليج، من مضيق هرمز إلى حدود سوريا (الشمالية، أي الحدود مع تركيا الأردوغانية)؟

ومن بين الأسئلة أيضاً: هل يقفز سعر الدولار الأميركي بالليرة اللبنانية إلى معدلات، غير تلك التي يحرص على التمسك بها الرئيس سعد الحريري وحاكم مصرف لبنان، ومعهما الطبقة السياسية؟ أم تتفلت السيطرة على التسعير، في ظل قوة ملحوظة للدولار، على حساب البورصات المتعلقة باليورو والين، وسائر العملات الدولية الأخرى كالروبل والليرة التركية والريالات الخليجية، بما في ذلك التومان الإيراني؟

لا تخلو الأسئلة الكبرى من هذا النوع من تشعب إلى أسئلة أصغر، تتعلق بالأسئلة عمَّا إذا كان ثمة مصارف لبنانية أخرى، صغيرة كانت أو كبيرة على طاولة العقوبات الأميركية، لا سيما تلك التي تتألف مجالس إدارتها من صيرفيين أو رجال أعمال أو بنكيين من الطائفة الشيعية، التي يشعر المنتمون إليها أنهم مستهدفون بالجملة والمفرق، في سلوك عقابي على خلفية الانتماء المذهبي، ومن زاوية عدم المضي قدماً في مواجهة «حزب الله» الذي ينتمي كافة أعضائه ورجاله إلى الشيعة؟

ومن وراء هذه الأسئلة، التي تصيب اللبنانيين كافة بالقلق والوجوم، بانتظار أمر كان مفعولاً، تتجمع في سماء الشرق الأوسط الكبير غيوم، تجعل الأطراف المتقاتلة أشد قلقاً، والأطراف الأخرى أكثر ترقباً، وتحشد الدول الكبرى رجالها من خبراء وقادة ومهندسين وأطباء ورجال إنقاذ وضفادع بشرية، في المياه الإقليمية لشواطئ المنطقة وبحارها ومضائقها لضربات أو ضغوطات أو ابتزازات دبلوماسية أو مالية، من أجل مزيد من الهيمنة، والسيطرة، والاستئثار والتكالب على ثروات أهل هذه الأرض ومستقبل الأجيال التي تخلق إما كوقود للحرب وإما كوقود للإستخدام.. أو للفقر والجوع والبطالة..

من الوقائع المقلقة، يروي تاجر لبناني، من أهل المعرفة، وهو ورث عن جده، وعن والده مؤسسة عريقة في استيراد مواد البناء وتجارة المقاولات، منذ ثمانية عقود (80 عاماً) أن الأزمة التي يواجهها في تجارة الاستيراد من تركيا والصين، ان تجار هاتين البلدين، يطلبون تسديد ديونهم بالعملات الصعبة (الدولار)، وهو يحصِّل ديونه ومدفوعاته بالليرة اللبنانية.

لا يتوقف الرجل عند سعر العملة، بل عند توفّر السيولة، فعلى الرغم من وجود ملاءة مالية لديه، فإن المصرف الذي يتعامل معه لا يتيح له ان يسحب مبلغاً بحدود عشرة آلاف دولار، بل أقل بكثير، لأن مصرف لبنان لا يزوّد المصارف العاملة، وغير الخاضعة للعقوبات إلاَّ بما يقرب أو يزيد من مليون دولار يومياً، وهذا المبلغ لا يغني ولا يسمن من جوع، في ما خص مصارف لها فروع بالعشرات في مختلف المناطق اللبنانية، وربما عبر عواصم أخرى صغرى وكبرى أو ناشئة.

وعبَّرت الأزمة عن نفسها في إضراب قطاع المحروقات من أجل استيراد النفط، ومشتقاته، كما أنها مرشحة للانتقال إلى قطاعات أخرى، كالأدوية، والأغذية، بما في ذلك استيراد القمح، الذي تتضاءل كمياته في العنابر.

لا حاجة إلى كبير عناء من أجل تلمس النقص في التداول أو السيولة بالعملات الصعبة، في وقت يجري فيه الحديث عن فقدان الدولار، وبعض العملات الصعبة الأخرى من السوق السورية، وتراجعها في أسواق عربية أخرى.

من هذه الزاوية، تنظر الأوساط اللبنانية، بعين الريبة إلى زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية إلى بيروت في الأيام القليلة المقبلة، في إطار متابعة سياسة (OFAK) نظام المراقبة والعقوبات الأميركي، واللقاءات التي سيعقدها، والنقاط التي سيثيرها، والأجندات الموضوعة على طاولة المخططين في دوائر القرار الأميركي، في إطار تفاقم أزمة الاشتباك الدولي- الإقليمي، وخنق القنوات والقصبات الهوائية والمصرفية في بلد عريق في مصارفه، ونظامه الليبرالي، واقتصاده الحرّ، وهو ينتمي إلى المعسكر الاقتصادي الدولي- الغربي- الأميركي، الذي يعاقب أبناءه أو طائفة من مكونات شعبه..

وفقاً لمتابعين، ترتبط زيارة الموفد المالي- الأمني الأميركي مارشال بللينغسلي، بنقل طلبات جديدة للسلطات السياسية والسلطات النقدية، سبق لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبحث مع الرئيس نبيه برّي ليس بوصفه رئيساً لمجلس النواب وحسب، بل أيضاً باعتباره زعيماً معتدلاً للشيعة في لبنان، في العقوبات المالية الأميركية التي تستهدف رجال أعمال، وموظفين من طائفة معينة..

وبصرف النظر عن الصلة بين «الزيارتين» أو عدمها، فإن الملف يبدو انه سيبقى مفتوحاً، إلى وقت غير قصير، باعتبار العقوبات واحدة من أشد أسلحة «تدمير العدو» فتكاً في عصر ارتبطت فيه حاجات البشر بنظام مالي دولي، ينطلق من الدولار كوحدة نقدية دولية، أكثر قبولاً وثقة في النظام الإقتصادي العالمي المعاصر..

من نقص الدولار في أسواق التعامل الفردي، والتجاري، فضلاً عن القيود المشددة المفروضة على حركة انتقال العملة الصعبة، من لبنان إلى الخارج، وبالعكس، فإن وضعاً بالغ الصعوبة يتحكم بمقادير العملة اللبنانية، والاقتصاد اللبناني، الذي يتوقف مصيره، على الأموال المرصودة في مؤتمر «سيدر» الفرنسي- الدولي الذي انعقد في باريس في نيسان 2018.

ومن هذه الوجهة، كانت الأنظار تتجه إلى المحادثات المطولة التي أجراها الرئيس الحريري، مع الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون، الذي اعتبر أمام رئيس وزراء لبنان أن حماية «بلد الأرز» من ضمن إلتزاماته السياسية والتاريخية والأخلاقية، من زاويتين: إبعاده عن حرائق المنطقة، بما يشبه مظلة الأمان، ومنع انزلاق إقتصاده إلى الإنهيار، من باب رصد الأموال، ووضعها على طاولة الإستثمار الفوري، بعد إصلاحات مطلوبة في موازنة الـ2020، وتقييم الأولويات العملية، لخطة انعاش الاقتصاد اللبناني.

إلَّا أن «عسل سيدر» محفوف بمخاطر جمة، ليس أقلها الحصار المالي والنقدي الأميركي على لبنان، لجهة محاصرته بقوة الدولار، مع العلم ان الولايات المتحدة طرف أساسي، في المؤتمر، ولها اليد الطولى في سريان قراراته، أو ربطها بالقرار 1701 والـ1559، وسائر قرارات وزارة الخزانة الأميركية مما يضع لبنان امام وضعية لا يحسد عليها: أموال «سيدر» أمامكم وقرارات الخزانة من ورائكم، فأين المفر؟

إنه الإلتباس المعقد، في كيفية التعاطي مع بلد كلبنان تتداخل فيه كافة عناصر الإشتباكات الإقليمية والدولية، وان كان بتنوعه الديني والفكري والطائفي، يُشكّل نموذجاً لإعادة تركيب أنظمة الحكم في المنطقة، من زوايا الخبرة اللبنانية، التي تبنتها الأمم المتحدة، وينوه بها الرئيس ميشال عون في كلمته من على منبرها قبل عودته إلى بيروت، التي يسبقها بالعودة إليها الرئيس الحريري، حاملاً معه تطلعات «سيدر» وسط احتدام، قد يكون الأخطر لنزاعات المنطقة ومعادلاتها المالية والعسكرية!؟