كتبت د. سهام رزق الله في صحيفة “الجمهورية”:
بمناسبة اليوم العالمي للمسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR)، نختار نشر ملخص لنتائج استطلاع حول تقديم وتطوّر المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان.
منذ إدخال مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان مع نشر المعيار الدولي ISO26000 ومختلف المبادرات المجانية والحرة والطوعية التي اتّخذها القطاع الخاص اللبناني في هذا الاتجاه، فإنّ تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات بطيء وسرعته تختلف بين قطاع وآخر. من هنا إنّ البحث عن نموذج مفاهيمي لشرح هذه الخصائص واتجاهات تطورها استلزم إجراء دراسة استقصائية تغطي جميع المحاور للتحقق من صحتها في لبنان. ما هو أفضل نموذج يفسّر المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان؟ وما هي النتائج التطبيقية؟
في مواجهة تعدّد أوجه عدم المساواة ومخاطر التمييز والإقصاء الاجتماعي في مجتمع تعدّدي مثل الاقتصاد اللبناني الذي يستضيف أيضاً تدفّقاً هائلاً من النازحين خاصة منذ الأزمة السورية في 2011، تثبت أنّ المسؤولية الاجتماعية للشركات المسؤولة باتت ضرورة ملحّة خاصة أنّ الدولة وحدها غيرُ قادرة على تلبية الاحتياجات الاجتماعية بمجملها، والمنظمات غير الحكومية التي لا تملك الإمكانيات المالية الكافية غير قادرة على القيام بذلك منفردة، من هنا دور القطاع الخاص أن يتدخل ويوجّه الاقتصاد نحو العيش الشامل معاً.
ومع ذلك ، فإنّ إدخال المسؤولية الاجتماعية للشركات وتحدّيات تنفيذ المشروع تختلف من بلد إلى آخر وفقاً لخصائص النظام الاقتصادي في هذا البلد ودور الأطراف المختلفة وديناميكية القطاعات المعنية التي تجعله ضمناً أقرب إلى نهج نظري معيّن تجاه المسؤولية الاجتماعية للشركات.
من هنا، يبدو من المثير للاهتمام أن نفهم تحدّيات إدخال المسؤولية الاجتماعية للشركات من قبل دولة صغيرة ونظام اقتصادي حرّ مثل لبنان من خلال الاختيار الطوعي لقطاعها الخاص دون أيّ تدخّل من الدولة خلافاً لجميع البلدان العربية المحيطة، كما من المهم التوقّف عند بطء تطوّر المسؤولية الاجتماعية للشركات في بعض القطاعات وتسارعها في قطاعات أخرى من خلال الإشارة إلى النموذج النظري الذي من شأنه أن يفسّر ذلك بأفضل شكل.
النموذج المرجعي المختار هو النموذج المؤسَّسي الجديد الذي مكّن من تشكيل الإطار المفاهيمي لإدخال وتطور المسؤولية الاجتماعية للشركات بين القطاعات المختلفة في لبنان، والتي تمّ التحقق من صحتها من خلال نتائج المسح النوعي حول تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات بين 18 مؤسسة لبنانية تشتهر بالمسؤولية الاجتماعية في لبنان. تعتمد المنهجية على مقابلات شبه منظمة ودليل للمقابلات وشبكة تحليل للإجابات. علماً أنّ النموذج المؤسسي الجديد يرتكز على ثلاثة محاور: التماثل في التقليد، التماثل المعاييري، واعتماد التنظيم والقوننة.
- تقليد التماثل: في أعقاب القيود المعرفية والثقافية، في سياق عدم اليقين الشديد، تميل المنظمات إلى إعادة إنتاج ممارسات بعضها البعض، لتقليدها. يمكن أن يقلّل التقليد من عدم اليقين، ويعتمد أساليب أو أدوات معروفة بالفعل دون المجازفة بتجربة خيارات جديدة.
- التماثل المعياري: يساهم القيد المعياري في الشرعية الأخلاقية المرتبطة بالمعايير وشهادات الاعتماد التي تحدّد القواعد المعرفية للممارسات المماثلة دون أن تؤدي إلى فرض عقوبات في حال غيابها.
مع العلم أنّ دراسات تجريبية عدة قد أُجريت حول تأثير النظرية المؤسسية الجديدة على المسؤولية الاجتماعية للشركات في البلدان التي تمرّ بمرحلة انتقالية، بما في ذلك لبنان، ومن هنا أهمية الدراسة الاستكشافية التي أُجريت. - التنظيم القانوني التشريعي: التنظيم القانوني يعزّز شرعية الاستراتيجية المعتمدة من قبل المؤسسات لإدخال مفهوم المسؤولية الاجتماعية القائمة على القواعد والأنظمة المساهِمة في تنظيم وقوننة المبادرات. التعريف القانوني للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات والمعايير والمؤشرات المعتمدة في تقارير المؤسسات التي تعتمدها وفق النظم المعروفة عالمياً، تساهم في تحديد المؤسسات المسؤولة اجتماعياً فعلياً تمهيداص للمطالبة بحوافز وإجراءات مشجّعة.
وقد أعربت غالبية الشركات عن الحاجة إلى إطار رسمي لجمع معلومات حول المسؤولية الاجتماعية للشركات كمنصة يمكن أن تجمع ممثلين من جميع القطاعات. تنقسم المقترحات بالتساوي تقريباً بين طلب الإعفاءات الضريبية، ودعم بعض الأنشطة ومنح خطوط ائتمان مدعومة الفائدة، وهي تدابير ضرورية لتطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات والتي لا تتطبق بعد في لبنان حتى اليوم.
مع العلم أنّ مطالبة الدولة بالحوافز لتشجيع الشركات اللبنانية على مواصلة تطوير استراتيجيتها للمسؤولية الاجتماعية للشركات لا يمكن أن تتم دون بناء قاعدة بيانات في البداية عن الشركات المسؤولة اجتماعياً في لبنان. وهذا يتطلب لوائح المسؤولية الاجتماعية للشركات وتحديد الشركات المسؤولة اجتماعياً وفقاً لمعايير ومؤشرات المساهمة في التنمية المستدامة ونشر التقارير العلمية التي تقيمها لجان الخبراء في هذا المجال.
وبذلك يكون تمّ التحقق من صحّة النموذج المؤسسي الجديد حيث يسمح التماثل في التقليد واعتماد المعايير والقيَم بتطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات بسرعة في قطاعات معيّنة مثل قطاعات المصارف والاتصالات الخلوية. في حين أنّ غياب القوننة والحوافز يبطئ تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات في قطاعات أخرى مثل القطاع الصناعي والقطاع التجاري في انتظار دعم الدولة. ومن هنا الحاجة إلى نظام أساسي رسمي لجمع البيانات حول المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان، وتقييم الجانب العلمي للعملية، ومنح العلامات أو شهادات التميّز لأولئك الذين يستحقونها وتدريب أولئك الذين بحاجة إليها وإدخال اللوائح اللازمة من حيث الضرائب والحوافز المالية لتحسين النتائج… يستمرّ العمل في المرحلة الثانية لوضع الأساس الأكاديمي الضروري لتحقيق هذه الاستنتاجات.