كتبت زينب عثمان في “الاخبار”:
وفق تقرير لـ«هيومن رايتس ووتش»، عام 2015، يشهد لبنان انتحار عاملة منزلية أسبوعياً نتيجة سوء المعاملة. وفي دراسة صادرة عن مركز دراسات المهاجرين في الجامعة الأميركية في القاهرة، وتعود الى العام نفسه، فإن 65% من العاملات في لبنان يعملن 15 ساعة في اليوم، و42% منهن يعملن 18 ساعة، و34% لا يأخذن إجازات. كل هذه جرائم «يكفلها» نظام «الكفالة» الذي يجرد هؤلاء من أي حقوق إنسانية واجتماعية. في 2019، لم يتغيّر الوضع كثيراً: إلى الاستغلال والاسترقاق، أضيف إلى هموم العاملات الأجنبيات همّ تراجع أجورهنّ بنحو عشرة دولارات (تشكّل للبعض 5% من قيمة الراتب) بسبب تغير سعر صرف الدولار مقابل الليرة.
«ليرتك هي عملتك؟». هذه «شعارات» نراها على التلفزيون وفي إعلانات المصارف، يُفترض أنها تلعب على «الوتر» لدفع اللبنانيين الى التداول بعملتهم الوطنية. وهم بدأوا بذلك أخيراً، ولكن مكرهين وليسوا أبطالاً. فقد دُفعوا إليه دفعاً بسبب شحّ الدولارات في السوق، ما أدى إلى رفع سعر صرفها مقابل الليرة. «ليرتك هي عملتك»، لكنها ليست «عملتهن»، والنون هنا تعود لعاملات المنازل الأجنبيات اللواتي أضيف إلى همومهن في هذه البلاد السعيدة همّ جديد.
سلام، العاملة البنغالية، واحدة منهنّ. عند مطلع كل شهر، تتوجه إلى أحد مكاتب تحويل الأموال في بيروت لإرسال 200 دولار من راتبها الشهري (250 دولاراً) لعائلتها في بنغلادش. بدءاً من تموز الفائت، توقفت العائلة «الكفيلة» عن دفع راتب سلام بالدولار واستبدلته بالليرة اللبنانية. في الشهر الأول، لم تولِ العاملة اهتماماً لما ينطوي عليه التغيير المفاجئ في آلية الدفع. فطالما أنها تقبض معاشها «مش مشكل». لكن المشكلة توضحت في الشهر التالي، عندما شرح لها العامل في مكتب تحويل الأموال بأن مبلغ «300 ألف ليرة ما عاد يساوي 200 دولار»، وأن عليها أن تدفع فرق سعر صرف الدولار الذي تأرجح منذ ذلك الحين بين 1525 و1585ليرة، بعدما كان لا يتجاوز حد 1507.5 ليرة.
بالنتيجة، كان على سلام أن تدفع، إضافةً إلى قيمة عمولة التحويل (5 دولارات) التي غالباً ما تدفعها العاملات من كسبهنّ، 13 ألف ليرة. وعندما طالبت الأسرة التي تعمل لديها بأن تعيد دفع راتبها بالدولار أو تعويضها عن فرق العملة، كان الجواب بأن «من هلق ورايح باللبناني لأنو ما في دولار»، وعليها تحمّل تبعات الأزمة «متلك متلنا».
العائلة التي تعمل لديها زبيدة، العاملة الإثيوبية، أبلغتها أيضاً أنها لن تتحمل فرق العملة، وأنه «عيب عليها أن تحكي عن 15 ألف ليرة… ما بيحرزوا»! إلا أن الواقع أنهم «بيحرزوا» كثيراً. عشرة دولارات، بالنسبة إلى زبيدة، تعادل 294.30 بير إثيوبي، وهو مبلغ «بيحكي» في إثيوبيا، خلافاً لما تقوله إعلانات المصارف عن الليرة. الأمر نفسه ينسحب على العاملين والعاملات من كل الجنسيات (يقدر العدد في لبنان بنحو 200 ألف). العاملات الآتيات من بنغلادش، مثلاً، يخسرن في الدولار الواحد ما يعادل 84,58 تاكا (العملة البنغلادشية) في بلاد يبلغ الحد الأدنى للأجور فيها 8000 تاكا (نحو 98 دولاراً).
منذ أزمة الدولار الأخيرة، خسرت العاملات الأجنبيات بين 10 و15 دولاراً من رواتبهن .«مين بيحكي فيهم؟»، العاملات طبعاً. وهن خاسرات أصلاً بسبب التمييز والإهانة اللذين يكرسهما نظام الكفالة، وقانون العمل الذي يستثني عمال وعاملات المنازل من أي حقوق اجتماعية وقانونية وإنسانية. بحسب رئيس الاتحاد الوطني للعمال والمستخدمين في لبنان، كاسترو عبد الله، «هذا الاستغلال قد يستمر لفترة طويلة» ما لم تتحرك وزارة العمل لكبحه، وهو يأتي «نتيجة الفوضى في السوق السوداء وعدم مراقبة الدولة لنشاط شركات ومكاتب الصيرفة ومكاتب تحويل الأموال على أنواعها؛، مشيراً إلى أنه «قبل الحرب اللبنانية، كان هناك اتفاقيات تفاهم بين وزارة العمل والدول المرسلة للعمالة لضمان حصول العمال والعاملات على أجورهم/ن بالدولار».
اليوم، ليس هناك أي إطار قانوني يجبر أصحاب العمل على الدفع بالدولار أو، على الأقل، تعويض العاملات المهاجرات عن الفروقات التي يدفعنها عند تحويل الأموال نتيجة تدني قيمة الليرة. وهما خياران يقول عبد الله إن الاتحاد الوطني سيجتمع الأسبوع الجاري لمناقشتهما، قبل الخروج «بصيغة واضحة تضع حداً للاستغلال وتضمن للعاملات حقوقهنّ».
بيد أن حياة العاملات لن تصبح وردية، كما يمكن أن نفترض، حتى وإن أصدرت وزارة العمل قراراً يلزم أصحاب العمل بدفع الفروقات. تلفت غنى العنداري، من جمعية «كفى»، إلى انتهاكات أكبر من ذلك لحقوق العاملات المسلوبة، بدءاً من أجرهنّ المتدنّي والمهين أصلاً، وصولاً إلى «مصادرة مكاتب استقدام العاملات لأتعابهنّ خلال أول شهرين من العمل»، علماً بأن «نحو 40% من أصحاب العمل لا يدفعون راتب العاملة المنزلية بشكلٍ منتظم».
العنداري تلفت إلى أن «كفى» تابعت قضايا عاملات «كنّ لا يقبضن لأكثر من 3 أشهر». وحين لجأن إلى وزارة العمل للشكوى، اصطدمن بباب مسدود باعتبار أنهن «لا يملكن إثباتات تؤكد أن رواتبهن غير مدفوعة»، فيما «أصحاب العمل يقدمون في المقابل إيصالات قديمة بأموال جرى تحويلها إلى عائلة العاملة لإزالة التهم عن أنفسهم». وتشدّد على أن مراقبة تسديد الأجور، التي تقع على عاتق وزارة العمل بالدرجة الأولى، «لا تطبق على أرض الواقع».
بوسليمان: عبودية حديثة
في لبنان «نظام عبودية حديثة»، يقول وزير العمل، كميل بوسليمان، ويتحدث عن «تعديل جدي لنظام الكفالة تعمل الوزارة على إتمامه لنضمن حفظ حقوق العاملات». ولأن إقرار مشروع القانون الخاص بالعاملات المنزليات الذي أحيل إلى مجلس الوزراء «قد يطول»، وهو يفترض أن يسحب من الكفيل سلطته المطلقة على حياة العاملة، يؤكد بوسليمان أنه يعمل، بمؤازرة من بعض الجمعيات الحقوقية وبإشراف منظمة العمل الدولية، على صياغة عقد عمل موحد جديد «ينظّم عمل مكاتب استقدام العاملات وعلاقة أصحاب المكاتب بأصحاب العمل بطريقة ترعى تنظيم أوضاع هذه الفئة من العمّال تنظيماً شاملاً».