التضييق الأميركي على الاقتصاد بصورة عامة، والقطاع المصرفي بصورة خاصة، آخذ بالتصاعد. بعد سلسلة من العقوبات تُوِّجت بقرار الإدارة الاميركية «إعدام» مصرف «جمّال ترست بنك»، أتت زيارة مُساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلنغسلي، إلى بيروت، لتكشف مزيداً من الضغوط والتهديدات الأميركية. التقى المسؤول الأميركي الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري وجمعية المصارف وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، حاملاً معه ملف عقوبات مرشّحة للتصاعد. ما رشح عن هذه الاجتماعات من معلومات يؤكّد أن الضيف الثقيل كرر، بلهجة أقوى، التحذيرات التي سبقَ أن وُجّهت الى لبنان. من باب التهديد، أكد بيلنغسلي أمام الجمعية أن «المصارف كلها تحت مجهر المراقبة، ولا أحد يظنّ نفسه بمنأى عن العقوبات، أو أنه لن يُمسّ.
فأي مصرف سيواجه مصير جمال ترست بنك إذا ما ثبت أنه يغطي نشاطات لحزب الله». بيلنغسلي الذي أكد أن بلاده ليسَت جمعية خيرية، أشار إلى أن «من يرد التعامل بالدولار عليه أن يلتزم بالشروط»، وبلاده «لن توفر أي إجراء للحد من صلابة حزب الله»، متمنياً على المصارف «الاستمرار في التزاماتها الصارمة». كما أكد أن «لا مصارف جديدة حتى الآن موضوعة على لائحة العقوبات، لكن هناك بعض الأفراد تدور حولهم شبهات». وحين سئل عن تأثير ذلك على الاقتصاد اللبناني قال إن «بلاده لا تهدف الى ذلك، لكن العقوبات هي الحلّ الوحيد للجم الناس ومنعهم من التعامل مع حزب الله». وفي لقاء على هامش اجتماعاته، أعرب بيلنغسلي عن اندهاش بلاده من المعلومات التي تتحدث عن عروض إيرانية للبنان لتأمين احتياجاته من المحروقات بالعملة الوطنية.
مصدر مصرفيّ أوضح أن «المسؤول الأميركي وزّع كلامه في الاجتماع مع المصارف على شقين»؛ الأول «توضيحات بشأن برامج العقوبات»، والثاني «أسئلة حول الوضع المالي والاقتصادي الصعب». وبحسب المصدر، فإن المسؤول الاميركي قال إن «ما ينشر في الإعلام عن قرارات أميركية وشيكة ضد أشخاص أو مصارف لا أساس له من الصحة»، لكنه استدرك بأن إدارته «تراقب وتتابع، ومتى تأكدت من وجود عناصر مقلقة فسترسل التنبيه الى المعنيين، وإذا تثبتت من وجود مخالفات فستصدر قرارات قاسية». وأضاف المصدر أن «بيلنغسلي كانَ واضحاً في إظهار حزم إدارته تجاه حجب أي تمويل عن حزب الله. وزعم أن بحثاً استغرق مدة زمنية طويلة أثبت أن مصرف جمّال ترست بنك سمح بعمليات يستفيد منها حزب الله، وهذا ما فرض القرار بوضعه على لائحة أوفاك».
مصدر آخر كان حاضراً الاجتماع مع المسؤول الاميركي، قال إن الأخير شدد على أن إدارته معنية بمتابعة تفاصيل عملية تصفية بنك الجمّال. وفي معرض توضيحه ماهية طلبات بلاده من المصارف بخصوص التصفية، قال المسؤول الاميركي إن على البنوك اللبنانية أن تتحمل المسؤولية حيال كيفية التعامل مع موجودات «الجمّال». ولما سأله أحد الحاضرين: «هل هذا يعني أنه يمكننا نقل الحسابات والشيكات والعمليات المصرفية إلى مصارف أخرى؟»، أجاب المسؤول الاميركي: «هذه مسؤوليتكم أنتم، ومن جانبنا سنراقب عملية التصفية بدقة. ولن نقبل بأي مناورات».
جمعية المصارِف حاولت التخفيف من وطأة السلبية التي حملها ضيفها، فقالت في بيان لها إن الأخير «رحّب بالتزام المصارف اللبنانية بالقواعد والمعايير العالمية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب»، وشدّد على «ضرورة متابعة هذه الجهود حرصاً على مصلحة القطاع». كذلك فعل سلامة الذي لا يتوقف عن تجميل العدوانية الأميركية، رغم كل الضرر الذي ألحقته الولايات المتحدة بالقطاع المصرفي اللبناني، إذ قال إن «زيارة بيلنغسلي ليست لتضييق الخناق على المصارف، ويهمنا أن تكون لنا علاقة جيدة مع الخزانة الأميركية».